البصر والبصيرة

البصر والبصيرة

تنتظر الشعوب الافريقية نتائج غير نمطية للجهود الاقتصادية والتنموية خلال 2019 والسنوات التى تليها فى ظل نقلة نوعية بقيادة مصرية طموحة وفى المقابل ينتظر رواد الاستثمار فى اسيا واوروبا فرصا جديدة للاستفادة من الموارد والفرص الاستثمارية فى افريقيا ويراقب العالم كله الصعود الافريقي المتوقع والذي باتت مؤشراته فى الظهور عبر النشاط السياسي المكثف من خلال الاتحاد الافريقي .نقطة ومن اول السطر.
ماذا ينتظر المصريون من افريقيا ؟ او دعنا نسأل بصورة اخرى هل ينتظر المصريون بالفعل شيئا جديدا او حتى محددا من قيادة مصر لافريقيا ؟ نفس السؤال يمكن طرحه من زاوية اخري هل نحن المصريون ندرك قيمة ما تمثله افريقيا للعالم وقيمة قيادتنا لافريقيا فى هذه الحقبة على وجه الخصوص؟ اعتقد ان هذه الاسئلة تحتاج الى اجابات واضحة ومحددة وغير انشائية وغير نمطية لاننا واعنى نحن المصريون لم نتعود على قراءة المستقبل من خلال الاعلام الاقتصادي مثلا ولا من خلال ما تبثه وسائل الاعلام التى تروج للنجاحات المصرية المتوالية على المستوي الدولي ولا حتى من خلال الخطابات الرئاسية المتعددة فى المناسبات الدولية ذات القدر المرتفع من القيمة حول العالم وذلك لاننا نركز دائما على ثلاثة اشياء تشغل بال الناس فى العموم وتملأ الاجواء الحوارية وتشبع الحاجة الى الاحساس باننا نفهم ونعلم كل شئ وهذه الاشياء الثلاثة هى الاسعار اليومية والحوادث الاستثنائية واي شئ يمكن ان يؤثر علي مجريات الحياة الحالية وليست القادمة.
يوضح تقرير الاقتصاد الأفريقي لهذا العام الصادر عن بنك التنمية الأفريقي أن الأداء الاقتصادي العام للقارة مستمر في التحسن ، ومن المتوقع أن يسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا إلى 4.0 في المائة في 2019 و 4.1 في المائة في عام 2020 ،ووفقاً لبيان صدر عن الصندوق الأفريقي للتنمية ، فإن الاهتمام العام كله ينصب على التكامل الإقليمي لتحقيق الرفاهية الاقتصادية لأفريقيا ، ويظهر التقرير انه من المتوقع أن يزيد عدد السكان في سن العمل في أفريقيا من 705 مليون في عام 2018 إلى ما يقرب من مليار بحلول عام 2030. مع انضمام الملايين من الشباب إلى سوق العمل ، حيث تحتاج أفريقيا إلى خلق حوالي 12 مليون وظيفة جديدة كل عام لمنع البطالة من الارتفاع فقط وليس كحل نهائي لمشكلة البطالة ،لذلك فان من الواضح جدا لكل ذي عقل إن النمو الاقتصادي القوي والمستدام ضروري لتوليد مزيد من الفرص لتشغيل العمالة ، ولكن ذلك وحده لا يكفي. فمصدر وطبيعة النمو مهم أيضا.
ايها السادة نحن المصريون نحتاج ايضا الى نقلة نوعية وانتفاضة نفسية وصرخة ثقافية مدوية وقفزة علمية وتعليمية غير عادية وهذه الاربعة لا يمكن ان تحدث الا بان نعقد النية اولا ونستلهم القدر الكافى من العزيمة ونطلق مارد الارادة ونتخذ قرار التغيير نعم التغيير فى كل شئ فى انفسنا اولا وفى اسلوب تفكيرنا وفى الطريقة التى يمكن ان نحقق بها نقلة نوعية جديدة على مجريات حياتنا فافكارنا واخلاقنا وعلومنا وجهودنا هى التى يمكن ان نرسم بها صورة جديدة لايامنا الحالية ولسنوات عمرنا المقبلة لاننا وهذا لاشك فيه سنواجه متغيرات عديدة تاتي لنا بها الايام والليالى سواء على المستوي المحلي او الاقليمي او العالمي فالارض لا تتوقف عن الدوران والعالم لا يتوقف عن التقدم والحياة لا تتوقف عن التغيير وليس من الحكمة ان نظل متفرجين مرتخين كسالي وقابعين فى ابار العوز والحوجة والجهل والفقر والمرض كما اننا لن نظل طوال عمرنا فى مواجهات مع فئات ضالة وفاسدة ومتخلفة وعنيفة لأن هذا هو ما يسبب نزفا مستمرا لمقومات حياتنا واستنزافا لمواردنا .
لا ادري ان كان العيب فى البصر ام البصيرة وهل نحن المصريون اصبحنا غير قادرين على رؤية الحقائق وما وراء الاحداث ، وهل بدأ نور بصيرتنا فى الانخفاض كنتيجة لانخفاض مستوي قيمنا واخلاقنا فتدنت قدرتنا على التمييز بين الانجاز وبين العنف والابتزاز ، لا احد ةينكر بان هذه المرحلة ليست بالهينة وليست نمطية وليست متكررة فكفانا سخرية وعدم اكتراث بما يتم انجازه وكاننا مصابين بمرض غريب يخفي علينا ما يتحقق ويمسح من اذهاننا ما تنقله الينا الوسائل المختلفة من خطوات جادة تراها ابصارالعالم ولاتراها عيون المصريين ولا ادري لماذا يصر الكثير من الناس على ان يشيح بوجهه وبصره عن احداث واجراءات ونتائج حقيقية ايجابية تحدث على ارض الواقع ويصر على تجنبها وتناسيها ويكمل اصراره على ضرب اي فرصة وامل وضوء ينير لنا الطريق وماذا سيستفيد كل من يحبطنا ويقلل من شأن كل ما يتحقق يوميا بينما تشهد لنا شعوبا باكملها والاكثر من ذلك ان هناك شعوبا اخري باتت مقيمة بالفعل على اراضينا مما يزيد من ثقل اعبائنا ويبطئ من سرعتنا ومع هذا فكل مؤشرات النمو الاقتصادي الرسمية التى ترصدها عيون كل الجهات المتخصصة وبصيرة بيوت الخبرة العالمية تقر بحقيقة ما ينجز وتشيد بما يحدث من تغيير ايجابي على الارض فلماذا نصر نحن على نفي ذلك ونمنع عيوننا من ابصار الحقيقة وماذا سنجني لانفسنا ولمن حولنا من جراء كثافة رفضنا وانشغالنا بتكرار نقدنا واعتراضنا الذي يشغلنا كثيرا عن المشاركة الحقيقية فى تغيير حياتنا الى الافضل حتى ولو بعدم الرغي والكلام المحبط والتقليل من العزيمة على التغييروالتطوير.
ايها السادة اليس منا رجل رشيد ؟ هل سنظل نحن الشعب العريق نائمين حالمين منتقدين معترضين لا نقدم حلولا ولا نعمل على تغيير واقعنا بصورة عملية الى وضع افضل وارقي ؟ هل سنظل فى حالة الشعور بالامتعاض والاستسلام لقوى الانخفاض فى كل مستويات الامل والطموح والاهداف الكبري التى تسعي كل شعوب الارض الى تحقيقها ؟ لا ادري ماذا يعطلنا وماذا يؤجل قراراتنا للتغيير والتطوير فى انفسنا وافكارنا وسلوكياتنا حتى نستحق ان نحصل على ما يصارع من اجله غيرنا ! ماذا ننتظر نحن المصريون كي نفرك اعيننا ونصحح بصيرتنا و نحسن من اداءنا وماذا ينتظر شبابنا كي يتفوق ويبدع ويتطور ويصنع مستقبله بنفسه ؟ فى الحقيقة لقد سئمنا جميعا من حالة التراخي وغزارة الفساد وكثرة المتسولين عن اقتناع بدلا من العمل والمتصيدين للاخطاء وناشري الفوضي ومدمري الاستقرار والجالسين على المقاهي لاستنزاف كل ما تبقي من موارد كي تستمر الحياة، لقد وصل بنا الحال الى اننا اصبحنا غير قادرين على تقبل اى نجاح واى انجاز فى اى مكان على اي مستوي والاخطر اننا تحولنا الى مروجين سلبيين وبات كل منا ينفر الاخر من اى شئ جميل وانتشرت التهكمات والسخرية من كل شئ له علاقة بالاصلاح والتغيير الايجابي والقليل من الناس اصبحوا يصارعون من اجل الدفاع على ما تبقي لدينا من طاقة ايجابية تساعدنا على ان نكمل الطريق الى اقرب محطة مستقبلية آمنة لنا جميعا .
ايها السادة لن يساعدنا احد ولكن يجب علينا ان نساعد انفسنا فلن يحدث اى تغيير او تطوير او تحسين الا بايدينا وافكارنا وجهودنا وهذه حقيقة لا يمكن انكارها فلنتفكر قليلا كل فى نفسه ومحيطه العائلي والمهنى وفى اوضاعه الاسرية والعلمية والصحية والوظيفية وليحسن التفكير ويتحري الصدق والامانة فى قراراته وليتكامل مع غيره ولنرأب جميعا الصدع المصري ولنحمي مواردنا ولنعمل كثيرا ونتكلم قليلا حتى نحصل على الكثيرمما يرى العالم كل بشائره على ارضنا بينما لانراه نحن فيايها الشعب الابي العريض استفق وايقظ روح الحضارة فى نفسك ولتنير بصيرتك بحسن اخلاقك ولتبصرالحقائق ولنتق الله فى انفسنا وبلادنا ولنتكفي بهذا القدرمن الراحة ولنبدأ فى التغيير.

جريدة الجمهورية

23/2/2019