المستدامة ..صحبتكم السلامة

المستدامة ..صحبتكم السلامة

عندما دخلت علينا اعوام الثورات والتغيرات الحادة والشقلبات الجادة وتضخمت اهمية المادة لم يخطر ببال الكثير من الناس اننا سنتحول الى مجتمع يضج بعواصف وتضخم المصطلحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية مثل الربيع والخريف العربي والسلفية والماسونية والتمدد الشيعي والتنظيم العالمى والدولة الاسلامية والتقسيم والحرب العالمية الثالثة واسلحة يوم القيامة وعلي الجانب الاخر لنعرات و صراخ و جدل والتقسيمات والتصنيفات السياسية والاجتماعية والعقائدية للناس والفتن المتوالية هذا الى جانب بزوغ عصر المحللين السياسيين والاستراتيجيين وظهور مهن عرفية جديدة تظهر جليا فى تحول الوطنية الى رتبة ومهنة تطورت الى صناعة جديدة هى صناعة القادة فى كل شيء كنوع من التغيير فى الخريطة الجيو سيكو تكنو سوشيال ان صح هذا التعبير الجامع لهذه القوالب وعليها انتشرت وتضخمت صيحات من البيزنس الشعبي وهى تجارة منح الدرجات العلمية وثاني اكسيد التكريم وتحول كل الناس الى مستشار دولى وقائد للتنمية نعم التنمية هذه الكلمة السحرية التى باتت الملاذ الوحيد لكل الانظمة الراغبة فى الاستمرار فى حيز البقاء والتى لم تجد مفرا من اخراجها في صورة عملة ذات وجهين هما التنمية البشرية وشقيقتها الكبري التى تقف في ظهرها وهى التنمية المستدامة نعم التنمية المستدامة التى تفرض نفسها على كل انماط المجتمع الدولى بعد ان اطلقتها منظمة كالامم المتحدة لتكون النغمة الدولية التي تتغني بها الانظمة الحاكمة لتحفز الجهات الممولة كي تساعدها فى تهدئة حالات الاحتياج الشعبى ودفع الطاقات فى اتجاه صناعة الاستقرار والاكتفاء بل والرخاء المستقبلى الذى سيتطلب بالضرورة التنازل عن بعض الضرورات والحاجات الملحة في الحاضر وتأجيل عملية اشباعها الى المستقبل بالاضافة الى ضرورة تحمل انواع مستجدة من الاعباء والفرائض التى تكتسي بوشاح الوطنية .
فى السابق كانت الانظمة السياسية وتدعمها الامنية وتعضدها الاعلامية تتقدم ببطء بل واحيانا على استحياء علي طريق ازعاج الكسل الفكري والعملي للشعوب تارة بالتحفيز وتارة بالترغيب وتارة بالتحذير من نقصان الموارد وضرورة مضاعفة العمل من اجل زيادة الانتاج ودفع عجلة التنمية التى كبرت ونضجت وصارت التنمية المستدامة ولم يدر بخلد شرائح وطبقات المجتمع ان مهن جديدة سوف تطل عليهم بمسميات ذات رونق مثل خبير ومستشار و قائد ورائد التنمية البشرية وقائد التنمية المستدامة في ظل الحيز الهام المسمي بالمجتمع المدنى الذى القي بظلاله على الكثير ممن تعطلهم البطالة عن تحقيق اى مستوى ملائم من التميز فجاءتهم هذه الفرصة الكوكبية للعمل في وسط جديد بل مع الحصول على رتبة اجتماعية جديدة تنطلق من تمتعهم بما يسمي الوطنية والاخلاص للوطن والتأييد للحكام.
بالقاء نظرة خاصة علي بعض تلك الظواهر فى مصر يمكن بسهولة ملاحظة ان نسبة لابأس بها من منتسبي قوات وكتائب ومنظمات وائتلافات ومؤسسات المجتمع المدني تتغنى بدعم مسيرة التنمية البشرية والمستدامة من خلال الانشغال المفرط فى تنظيم احداث ظاهرية ترتبط بتوسيع دائرة العلاقات والتركيز على الظهور الاجتماعى من خلال الاعلام والاعلان عن تلك الاحداث ممزوجة مع بعض المكونات الاخري والتوابل مثل التصريحات المؤيدة او المستنكرة التى تتحدث عن الوطن وكانه يحتضر ولكنهم يرفضون اخبار اهله بذلك فيروجون ان الوطن لن يسقط وانه باق وان كل المؤامرات لن تنجح فى القضاء على هذا الوطن وتقسيمه وهزيمته طالما ان هناك من يهتفون ويهللون ويكثرون من تنظيم مناسبات التكريم او التفخيم او المؤازرة النفسية الخ.
بنفس النسبة التى اعتقد بها ان الوطن باق لا محالة اعتقد ايضا ان الاكثار من الترويج لاي فكرة او سلعة دون ادراك واضح لعلاقة القيمة التى ستضيفها ونواتج التعامل معها من خلال الاجماع علي الالتزام بكيفية الحصول عليها سوف يقلل من شأنها وقد يؤدي الى استهلاك الفكرة فيبخس ثمنها ويزهد الناس فيها رغم عظم شأنها واهميتها بل وكونها ضرورة لتحقق استقرارهم وسعادتهم لان الافراط الاستهلاكى قد يتساوى مع التفريط المخل وقد لن يؤدى الاداء العشوائي لجموع من الناس حتي مع توفر حسن النوايا والادرار العاطفي تجاه الوطن ووجود حقيقي لجهود الحاكم والحكومة ف تنفيذ التنمية المستدامة علي الارض الا الى التشتت والبعد عن الهدف وبلبلة الفكر والخروج عن الطريق الواجب السير فيه باتجاه الهدف الوطنى الشامل لاسعاد الجميع وليس الرضا الشخصي فقط دون استدراك مخاطر التدهور او معدلات الانحدار القيمي والاخلاقي والثقافي لان قوي التطرف والارهاب الفكرى التى تحظي هذه الايام بفرصة كبيرة للظهور ويكثر حولها الجدل والصراع بين من يمولوها ويتبنوها ويدعموها وبين من ينكرونها ويصطرخون منها ويعانون من بلائها هذه القوى الظلامية يمكن ان تنحسر موجاتها فقط بتكتل الجميع واصطفافهم فى بنيان مرصوص خلف القيادة الجادة واعتماد الجميع بعد الله علي العلم والجهد المنظم والعمل المشترك المحترف واكرر المحترف لتحقيق اهداف اقتصادية واضحة باتجاه التنمية المستدامة هذا لانه يصعب بل قد يستحيل لأي أمة ان يرتفع شأنها وتسهل حياة مواطنيها في ظل اي نوع من التطرف الفكرى او تشتت وعشوائية الجهود الوطنية أو الضعف العلمي والمهاري كما يصعب جدا تحقيق رخاء عام في ظل ضعف فى الاداء الإقتصادى او المجتمعى وبالفعل قد يستحيل بناء حضارة في ظل إنتشار افات مدمرة كالجهل والأمية أو اللامبالاة أوالإنحدار الأخلاقى او التدنى الثقافى.
ايها السادة ان التنمية وخاصة المستدامة تطلق رسالة استغاثة عاجلة للنجاة من الغرق فى معضلات العشوائية وتفتت الفكر وغياب تصويب الجهود باتجاه هدف واحد للجميع والتدهور المجتمعى والسلبية العامة والفكر الإستهلاكى وعدم التنسيق والتواصل والمستوى الضعيف للعمل الجمعى بالرغم من كثرة مؤسسات العمل المدنى وكثافة الأنشطة الإجتماعية.
ايها السادة ان التنمية المستدامة التى يجب ان يحلم بها ويعمل من اجلها كل فرد وكل مواطن وكل مسئول وكل حاكم لا تحدث قدريا او بالصدفة وانما هى نتاج فكر وعمل منظم والتزام بمعايير واضحة يفهمها الجميع ويدافع عنها الجميع ويعبر عنها الجميع من خلال ما يسمي بالحرية المسئولة .
اخي القاريء الكريم أري انه يجب علينا جميعا مساعدة جموع الشعب و الدولة لاستنهاض الهمم لبناء حضارة جديدة ارقي اخلاقا واضبط تنظيما واكفأ اقتصادا واشمل ثقافة .
اعلاما من خلال التركيز علي استعادة السلام والقيم النبيلة والحرية المسئولة وانتشار الفكر العلمى واليات تحقق عدالة الاستحقاق للمتطلبات الاساسية للحياة الكريمة باستخدام منهجية استراتيجية فى صورة برنامج عمل واضح للخروج من الازمات المتوالية بأليات ايجابية لإحياء وتنشيط الافكار والمقومات والمشروعات الثقافية والعلمية والعملية والإقتصادية والإعلامية التى تهيء المناخ اللازم لاستثمار كافة الثروات والموارد المتاحة للدولة والشعب بشريا وبيئيا وماديا وتاريخيا وجغرافيا بهدف تحقيق طفرات اقتصادية متعاقبة ومتصاعدة وفعالة .
ايها السادة هذا جزء مما قلته فى افتتاح مؤتمر التنمية المستدامة الدولي الثاني الذي عقد الشهر الماضي فى مكتبة الاسكندرية عندما اعلنت عن تصور بحثي واضح و دعوة لاطلاق مبادرة بعنوان ” مصر أمان ونماء ” بشرط ان تكون ورشة وطنية حقيقية مفتوحة للتنشيط الفكري الحضاري لمصر والمصريين كي يعاد بناء ما اسميته ” هرم الحضارة ” الذي اري انه يجب ان يكون توجها استراتيجيا مطلوب بثه في الفكر والوجدان الوطني العام بهدف نشر وتطبيق مفردات ومبادىء ميثاق انساني وطني حضارى جديد يلتزم الجميع بالعمل من خلاله من اجل مستقبل جامع للخير لكل من يشارك في بناء هذا الهرم الحضارى الجديد الذي يرتفع بنائه وتعلو درجاته التي تكونها هذه القواعد العشرالرواسي: الحرية المسئولة .. القيم الاخلاقية .. عدالة الاستحقاق… الالتزام بالانضباط …إخلاص العمل … تجويد الانتاج … المنهج العلمى… عالمية الثقافة ….الاعلام الغيور وكلها لن ترتفع الا بنوع جديد من الوطنية يمكن ان نسميه ” المواطن الراقي ” هذا المسمى الذي اعتقد انك تستحق ان يطلق عليك ايها القارئ المحترم