الإنسان والبشر

الإنسان والبشر

بادئ ذي بدء اقترح علي القارئ الكريم ان يصبر قليلا علي ما ساطرحه عليه وان لا يتعجل في حكمه او في ما سيقرر ماهية الفائدة من قراءة هذا المقال.
الانسان ومصر ، البشر ومصر ، الناس ومصر ، طبعا عبارة غير محددة الغاية ، ولكن اذا بدانا بقول ان كل انسان بشر وليس كل بشر انسان فان المجتمع يمكن ان ينقسم الي نوعين من الناس يشكلون في مجملهم اما انسانية البشرية او بشرية الانسانية وذلك حسبما ستكون الاغلبية. وفي النهاية فالكل ناس ، وكما وصلتنا المقولة الماثورة بان الناس بالناس والكل بالله فهنا ستبدأ في الظهور علي السطح احدى المفاهيم التي تختص بها مصرية الانسان الا وهي ان ناس مصر غير اي ناس بسبب تميزها بتكامل مسلميها مع مسيحييها اي بتكاملها العقائدى وايضا باحتضان مصر لكل الشعوب الوافدة عليها بسبب الحروب او اي عوامل اخري والتي يلحظ المراقبون من شتي الاجناس والثقافات ان الشعب المصري سرعان ما يتعرف علي ثقافة الاخر ويقبلها بل ويهضمها ويحسن اليها ويتفاعل معها مهما تسببت في تضخم العبء المادي والثقافي والحضاري لدرجة ان ثقافة المصريين المشهورة بالثبات عبر الزمن والكثير ينسبوها سواء بصحيح ام بخطأ الي الفراعنة اضيفت اليها صفة المرونة الحضارية التي ساعدتها كثيرا علي تخطي عجائب ما قد اتت به الاقدار.
يدهشني كثيرا مدى قدرة المصريين وانا منهم علي التعايش والملائمة والموائمة والتفهم والتقبل بل والاكثر من ذلك الصبر والتحمل والتفاعل مع كل صور التحديات والمعضلات ايا كان نوعها .
حديثا ، وكنتيجة لسيل ما نراه باعيننا ونسمعه باذاننا من مفارقات ومفاجات واحيانا ملابسات عبر ما تنقله الينا وسائل الاعلام والصحافة والتواصل الاجتماعي فاننا سنجد اننا قد اصبحنا جميعا وبلا منازع مفكرين وخبراء وسياسيين واحيانا علماء مثلما يخرج علينا الكثير من الناس بمفاهيم ورؤي ووجهات نظر ونقد واعتراض وامتعاض والبعض يبدا بالانقضاض كي يحظي ببعض التميز و الانفراد في ما يعتقد انه ارتداد او استبداد قد انتشر في البلاد.
لو توقفنا لحظات امام تاريخنا الحافل بالمفاجات فمن السهل ان نتوقع ان مستقبلنا ايضا سيبدع في اخراج ما بجعبته من المفاجات التي يخشي الكثير منا منها كنتيجة لان العديد من الناس لديهم مخزون متناقض او متضاد او دعونا نسميه تباين بين عنصري الكآبه والسخرية فالاول يظهر في الاعتراض و الطاقة السلبية والاخر يظهر في الفذلكة و اللامبالاه .
لا ادري لماذا يذكرني هذا الحديث بالاحداث التي سبقت وعاصرت وتلت فترة الانتصار علي التتار بقيادة قطز ذلك الرجل الذي تصدر لأزمة كبيرة وعدو شرس وليس لديه اي موارد تذكر ولكن وباختصار انتصر وتلاه صديقه بيبرس الذي قتله نتيجة وشاية كاذبة فعوض عن فعلته بازدهار مصر في عهده.
وعودة الى ظاهر ما نراه علي سطح الاحداث من الصيحات والمناوشات والكثير من النقائض والاعتراضات علي كل ما بدا من المحاولات المصرية الجادة لعبور نفق ما ورثته مصر من ضربات الضاربين وغارات المغيرين ، اجدني استحضر حقائق طالما اعلنها الزمان ومل التاريخ من تكرار كتابتها واجدها تتوالي علي ذهني الواحدة تلو الاخري اولها ان المصريين ومن عايشهم ممن استقبلوه وقبلوه وتفاعلوا معه دائما ينتصرون لمصر رغم غلبهم وفقرهم وجهل الكثير منهم.
ثانيها ان المصريين ومن شربوا من نيل مصرهم لايزالون يرون ان باستطاعتهم صهر المعضلات لتتحول الي ثروات ويرون ايضا ان بامكانهم قهر التحديات وتحويلها الي ممرات آمنة للعبور الي مستقبل اكثر امانا واستقرارا وسلاما بل ورخاء.
ثالثها ان المصريين ومن يحبونهم ويعشقون هواء مصرهم يعلمون انه مهما غابت الشمس فهناك دائما فجر جديد وهم دائما علي يقين ان الله سيرسل لهم من يخلصهم من غباء وجهل وعنف وسخافة من يحقدون عليهم ويريدون هدم حضارتهم ويستكثرون عليهم مصرهم .
رابعها ان معظم المصريين يؤمنون بان الله ناصرهم ولو بعد حين وان عقيدتهم الروحية هي سبب بقائهم وان تفضيلهم لبقاء ارضهم لذريتهم علي انفسهم تدفعهم بلا اي تردد الي الموت فداء لها.
خامسها ان الحقيقة الجلية اننا بفضل من الله باقون ومن حولنا يتساقطون واذا كنا الان نشعر بالعناء فان شعوبهم في شقاء الا من رحم الله واوصله الي بلد آمن مستقر كمصر.
سادسها انه لا مفر من صون المقر اي لامفر من الحفاظ علي الارض وماحوت وتنمية مواردها واستثمار مقوماتها البكر وايضا ما تلك التي قد نمت.
سابعها ان الله لا يضيع اجر المجتهد ولا يظلم ربك احدا وان كل جهد يبذله المصريون لنماء ارضهم سيعود بالخير عليهم وعلي ذرياتهم .
ثامنا اذا كنا جميعا بشر فلنرتقي جميعا بانسانيتنا وباذواقنا ولندرك انه لا عمل بدون علم ولا علم الا في سلم وان لكل منا حلم يمكن ان يتحول الي علم فقط اذا تحقق لدينا اليقين بقدرتنا علي صهر المعضلات و استخدامها في قهر التحديات.
ايها الناس ، يا ايها البشر ، يا ايها المصريين استعيدوا ثقتكم في تاريخكم واستلهموا القدرة علي قهر من يحقدون عليكم من الخارج وايضا من هم بين اظهركم فلا تكسلوا ولا تبخلوا علي انفسكم بالامل ولاتكسلوا عن العمل فان من صنعوا لانفسهم بين الامم قدرا لم يكونوا من الكسالي ولا مختلفين ولا منتقدين ولا محرضين ولا متامرين ولا متخاذلين ولا متشائمين انهم فقط شعوب آمنت بنفسها وادركت موقفها وعملت بكامل طاقتها فحققت حلمها .
فيا انسان مصر استفق وتعلم واعمل حتي وانت تتالم فوالله ان غدا لناظره قريب وان البشارات قد انتشرت وخير شاهد ما قد تحقق وانت ايها المصري لازلت سيدا علي ارضك فاستثمر الاستقرار فغيرك الان تحت الحصار.

جريدة الجمهورية

16/9/2018