الأخيار والأغيار

الأخيار والأغيار

إلى أين يتجه عالم اليوم وسط صخب الأحداث التي يرجع تصنيفها الي أحد التصنيفات الثلاثة المشهورة التي ينتشر ويتكرر ذكرها في التحليلات العالمية وخاصة بعد اي حادث ارهابي وهي العرقية
والقومية والطبقية ؟
لقطات سريعة يمكن أن تشكل علامات لرصد مرجعية الإرهابيين افرادا كانوا أم جماعات .
من العجيب مثلا أن نجد بعض الجماعات العنصرية أصبحت عرقية مثل الأمريكيين أصحاب البشرة السمراء ممن أصبحوا يعرفون تدريجيا كامريكيين من اصل أفريقي ومن ناحية أخري فإن بعض الافراد أو الجماعات العرقية قد تصبح عنصرية مثل ذلك السفاح القاتل للمصلين في المساجد ويتباهي بعنصريته الناتجة عن العرقية المريضة التي تجري في دمائه علي أساس أنه من أصحاب البشرة البيضاء وكأن اللون والطول وسماكة الجلد وكثافة الشعر ومقاس الصدر و القدمين يشكلون فرقا حقيقيا في ثقافة من ينتجون العلم و التكنولوجيا ويجرون العمليات الجراحية وقودون الطائرات ..الخ.
في سياق آخر و بينما تشدد القومية علي التماثل الثقافي لانصارها ويمكن أن يتم تمييزها بعلامة واضحة وهي الدولة اينما كانت فقد يجد الملاحظون ان القوميين يتمسكون بضرورة توافق الحدود السياسية مع الحدود الثقافية ومن هذا المنطلق من وجهة نظرهم تبدأ وتنتهي كل الاحداث ، وفي العموم وبدون اي اسقاط علي أي جهة فمن المتعارف عليه أيضا عبر الزمن أن المجموعات او الجماعات البشرية حين تطالب بالاعتراف والحقوق الثقافية قد لا تطالب بالسيطرة علي الدول وهذا لأن لديها مخزون تاريخي داخل منطقة العقل أو التراث الجمعي وليس السياسي ، لايزال يحيا داخل وجدان منتسبيها ، وبالتالي لا يهتم تابعوها بالسيطرة السياسية، والأمثلة علي ذلك عديدة علي مستوي العالم ، ومن زاوية اخري ، يري الباحثون أن التراكم التاريخي في العالم يقول بانه عندما يطالب قائد سياسي لحركة عرقية بمطالب ذات علاقة بالسيطرة تصبح هذه الحركة العرقية حركة قومية ، وعلي الصعيد الطبقي يقول الماركسيون أن الصراع الطبقي قد يظهر في صورة أن الطبقات المضطهدة تنهض في النهاية ضد مضهديها ويطيحوا بهم من خلال ثورة ما ، ليعدلوا النظام السياسي والنظام الاجتماعي للعمل، و هم اي الباحثون ، يعتبرون أن هذه الطريقة كانت الأشهر تطبيقا والتي تتحول من خلالها المجتمعات الي صور مختلفة.
في الحقيقة أن علوم الاجتماع والتاريخ والسياسة والاقتصاد تحاول دائما أن تعطينا صورة تحليلية تراكمية عمن سبقونا من الأمم إلا أنه من الواضح أن الذين يستفيدون من هذه العلوم قليلون جدا بل هم نادرون ، وبالطبع فإن السبب في ذلك بصورة عامة هو قلة التنوير والذي ينتج بدوره عن تقاعس أو تراجع أو تقوقع أو عدم فاعلية المنظومات الثقافية والتعليمية والإعلامية في الكثير من دول العالم علي مر الزمن.
إن من يدقق بصورة بسيطة ، سيجد أن قرابة المائتي دولة علي مستوي العالم تتفق بل تعمل علي تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تبنتها الأمم المتحدة والتي يأتي في مقدمتها القضاء علي الفقر والجوع والجهل بالإضافة إلي المساواة وغيرها من مسببات تنامي التطرف والعنف وغيره من الأحداث التي نواجهها جميعا مثل ما نقوم به في مصر من عمل دؤوب وجهد جهيد يظهر جليا في النشاط الاستثماري الافقي المتزايد بمحاذاة البرامج الاجتماعية الموسعة والتي تهدف في النهاية الي شعور المواطن والمقيم علي أرض مصر بأنه محل اهتمام وأنه يشارك في تحقيق واقع مستقبلي يستطيع أن يحصل فيه علي كل ما يحقق له التوازن النفسي والفكري والمادي ويحمي وجوده من شر أصحاب الفكر المتطرف أو الشعور الجانح أو التصرف العنيف بل ويقلل جدا من تواجد ونمو تلك الفئات المريضة نفسيا وفكريا.
اذا نظرنا قليلا الي ما نلاقيه نحن المصريون المتفاعلون بإيجابية مع كل الجهود الرسمية والأهلية التي تبذل من أجل تغيير واقعنا الملئ بالتحديات الي حياة تتسم بالاستقرار والسكينة والنماء ، سنجد اننا نتعرض الي هجمات فكرية ليس لها أي هدف سوى النيل من تلك النعمة الكبري المسماة بالسكينة والرضا والحب العميق للأرض التي نبتنا منها ، وهم ، اي من يقومون بتلك الهجمات لايزالون يصرون علي احياء تلك المعاني مثل العرقية والعنصرية والطبقية في صورتها السلبية بغرض الهدم لتكتلنا الوجداني واصطفافنا الوطني في مواجهة كل القوى والأحداث الغريبة والمريبة حتي وإن كانت علي المستوي الدولي وخارج حدود الوطن .
إن ما يحدث بتزايد ويتطور نوعيا علي مستوي العالم من أحداث إجرامية وإرهابية بغيضة و عنيفة تنتج خسائر بشرية كتلية ما هو إلا جزء من منظومة تاريخية مخططة وممنهجة يتبناها بتوارث وولاء شديد اولئك الاغيار المصابون بأمراض نفسية واجتماعية بل وفكرية تظهر اعراضها في قوالب وصور مختلفة كالارهاب والتطرف الفكري والصراعات الطبقية وكلها ترجع لاصل واحد وهو مثلث الطمع و الجحود وعدم الرضا وهي ثلاثة صفات نارية اخرجت إبليس من حيز الرحمة فلاريب أن من يديرون خلفيات كل الاحداث المتطرفة والحوادث الإجرامية والتصرفات العنيفة و الهجمات الإرهابية ، لا ريب انهم جميعا ينتمون إلي عرقيات تمتلئ بالعنصرية وتجيش نفوسهم بالمشاعر الطبقية حيث يرون احقيتهم هم وليس غيرهم في البقاء والنماء ويرون ان علي غيرهم ان يفنوا ويختفوا ويتركوا لهم الارض مهادا لاطماعهم واحقادهم التي تظهر في شهواتهم العدوانية المتأججة ضد المسالمين والعزل بل وأيضا ضد من يحمونهم من جنود مخلصين يقدمون حياتهم فداء لبقاء اقوامهم و أوطانهم.
ايها الشعب العظيم وكل شعوب الأرض نحن جميعا يجب أن نتبني صناعة دروع مشتركة وقوية ومتعدد المميزات كي نتمكن من حماية مجتمعاتنا واوطاننا واقوامنا من عواقب تلك الغارات والهجمات التي تحركها الشهوة العرقية والنزعات العنصرية أو حتي الأمراض النفسية المشحونة بالمشاعر الطبقية فكلنا بشر و كلنا يستحق الفرصة لان يكون من الاخيار لكي يكون له دور في البناء وان يستمتع بالنماء داخل مجتمع يعمل ليل نهار علي استثمار موارده التي وهبه الله إياها في الارض والبحار والانهار لانتاج كل مقومات الاستقرار ، وهنا أناشد كل السادة المحترمين الذين يقودون منظومات التعليم والثقافة والصحافة والإعلام الا يترددوا في بذل المزيد من الجهود التي تنتج المزيد من التنوير لكل الناس بلا استثناء بأن الإنسان قد خلق للعمار وليس الدمار وعليه فيجب علي الصغير قبل الكبير أن ينال حصته من التنوير بأن الاشرار ليسوا كالاخيار وان ملوحة امواج البحر ليست كعذوبة مياه الأنهار وأنه يجب علينا جميعا بلا استثناء أن نلزم جانب الاخيار ويجب أن يكون لنا دور في حماية أنفسنا و اراضينا و اوطاننا و وجداننا وتراثنا من الانهيار بل ومن كل انواع الأخطار وفي الختام فرحمة الله علي كل الشهداء الأبرار الذين يسقطون علي يد كل ذي فعل شائن وجرم بائن من الإرهابيين و المتطرفين من مرضي العرقية والعنصرية والطبقية الاغيار.

جريدة الجمهورية

18/3/2019