المستقبل القريب

المستقبل القريب

نقول باسم الله ونبدأ الطلعة الجوية لاستعادة جزء هام من المنطلقات الفكرية المفقودة منذ زمن طويل ، وعليه فدعونا نبدأ فى استكشاف بعض ما يمكن ان يكون له تأثير في رسم صورتنا المستقبلية القريبة وعليه فلنسال انفسنا سؤالا هاما ماذا يتوقع او ينتظر مواطنوا هذا العالم الذي نعيش فيه من المستقبل القريب جدا الذي يسيرون اليه بسرعة هائلة دون اكتراث لما ستئول اليه احوالهم كنتيجة لما يقومون به من افكار وافعال وتحركات باتت اقرب الي هوس اخطرانواع التسابق الجنوني للحصول على اكبر قدر من الموارد والمنافع ايا كان نوعها وايا كانت تبعيتها ودون اي اكتراث بتبعات هذا التسابق ، لا تستغرب ايها القارئ فنحن بالفعل جزء من هذا التسابق بل نحن الان قد اصبحنا طرفا واضحا بعد التحول والتطور المفاجئ علي المستوي القيادى والسياسي والاقتصادى والعسكري الذي رصدته القوي العالمية بسهولة ولم يكن لديها رفاهية الوقت لتعيش في جو المفاجئة ولكنها وكنتيجة لتقدمها المستمر تفاعلت بسرعة مع الاحداث وقبلت وجودنا كطرف ولاعب اظهر بشكل واضح العديد من المهارات والملكات التي لا يمكن انكارها بل واحرز اهدافا واضحة تظهر جليا فى القدرة الملحوظة على استعادة الروح القتالية من اجل البقاء بل انها تطورت لتصبح قدرات قتالية من اجل المنافسة .
عزيزى القارئ دعني اطرح السؤال الهام الثاني واقدم تحليلا مركزا جدا يشكل مقترحا افتراضيا لاجابته في محاولة لاستكشاف موقعنا في المشهد المستقبلي . اولا ما هو الفرق بين عالمنا الوطني والقومي وبين عالمهم العولمي ؟ ساجيب بالنيابة عنك الفرق يكمن في ان عالمنا يرتبط بعقيدتنا وايماننا بانفسنا و عشقنا لارضنا وثوابتنا الوطنية وتاريخنا الضارب في عمق الزمان ، اما هم فهم عبارة عن مجموعة ثعابين وحيات سياسية وديناصورات عسكرية وأفيال معلوماتية ونمور اقتصادية وحيتان استثمارية وصقور امنية ونسور جوية وقروش بحرية وذئاب ارهابية وجميعها وان اختلفت مبادئها وقيمها وثقافاتها تنتظم في تحالفات ذات قوى متقدمة دافعة وضاغطة ومحركة و متحركة باساليب ديناميكية ذات قدرة عالية ومرنة على الاتصال الفكري والتطبيقي واللوجستي والتواصل الثقافي والحضاري والتنسيق البيني و التفاعل مع الاحداث والتعامل مع احلك الظروف .
ثالثا ما هي طبيعة دورنا فى هذا الفيلم المسمي بـ ” المستقبل القريب ” ؟ اعتقد اننا ان لم نتحررمن قيود التمسك الظاهرى بالالتزام بثوابت فكرية استاتيكية تحد من قدراتنا الديناميكية على القتال من اجل البقاء سالمين منافسين واغنياء عن العالمين فقد لن يكون المستقبل فى صالحنا وعليه فان مساحة الدور الذي سنؤديه فى فيلم المستقبل القريب تعتمد بصورة مباشرة على قدرتنا علي بناء شعورعام بالإحتياج للتحرر الاقتصادي بنفس القدر الذي نفكر به فى التحرر الثقافي وان نركزعلى التطوير الاستراتيجي بنفس درجة انشغالنا بتغيير الخطاب الديني بل ان علينا ان نقتنع بضرورة ان نعمل جميعا في مشروع كبير يركزعلى بناء العديد من الفرق القوية القادرة علي ان تقود عملية تغييرمساحة التنازع الفكري الى حالة تنافس عملي وهذا الاخير يتطلب تغييرا جذريا في الدور الاعلامي والثقافي والتعليمي لتشكيل رؤية استراتيجية يدركها الجميع مع مراعاة احداث تغيير حقيقي فى اسلوب توصيل الرؤية القيادية الي جميع الشرائح الوطنية وبالتالى سنجد انفسنا في حاجة شديدة لإزالة الحواجز المعيقة للتغيير حتي يمكن ان يحدث التناغم بين زخم جهود اعادة البناء الحضاري مع الجهود التى تركز على المكاسب قصيرة المدى على كافة المستويات وعلينا جميعا ان نلتزم فكريا وعمليا بل ونقسم كلنا قسما يلزم الجميع وانا وانت في مقدمتهم بان نحافظ على هذا الزخم ومن هنا يمكن ان تبدأ ملامح وصورة دورنا فى المستقبل القريب بشرط ان نلحظ جميعا اننا بدأنا فى التغير الحقيقي باتجاه اهدافنا جميعا .
رابعا : ماذا نعلم عن ارادة التغيير وادارة التغيير ؟ اولا دعونا نقر باننا جميعا نتغير دون ان ندري وهذا لان العالم كله يتغير ولكن الفرق بين مجتمع واخر هو ان تتوفر لديه المعرفة الكافية لادارة التغيير الذي من المفترض انه قد توفرت له الارادة من قبل اي ان التغيير يجب ان يكون ارادى اولا وليس عشوائى او تراكمي وعليه فاعتقد يا صديقي انه من المهم ان تعلم ان علوم الادارة والاقتصاد قدمت للعالم نماذج واساليب متطورة لادارة عملية التغيير ولكننا بالطبع لسنا هنا بصدد تغيير ثقافة البيئة الداخلية لمشروعات استثمارية أو حتى مشروعات قومية ولكننا نتحدث عن جزء هام من مراحل حدوث التطور المستمر على هذا الكوكب وبجب ان نشير الي الضرورة شبه الحتمية الى اجراء عملية جراحية يمكن وصفها بانها دقيقة بل خطيرة فى الثقافة والوجدان القومي والعقل والضميرالجمعي لمجتمع يمكن اعتبار حالته اكثرمن حرجة نظرا لعودته الي مضمار التسابق مؤخرا وسط اعالي بحورالسياسة والسيطرة الاقتصادية والعسكرية والثقافية العالمية المتلاطمة الامواج ، على سبيل المثال في صناعة تخدمها البنوك تقليديًا ، يدخل مقدموا المدفوعات غير المصرفية الجدد والمبتكرون إلى السوق ويكتسبون الأرض بسرعة تحت ظل عالمية المعالجة واقصد هنا التغييرات المنظمة بجدية والتى تدفع بها القوي العالمية الكبري المجتمعات والاقتصادات النامية باتجاه اهدافها ، وما قد لا تعلمه ايها القارىء الكريم انهم يستخدمون علوم ونماذج ادارة التغيير باحترافية شديدة وهم الاكثر الالتزاما بها حتي يكونوا بمثابة قاطرات الجر لعربات المجتمعات التى لا تقرأ كثيرا ولا تهتم بالجوانب العلمية ولا تهتم بالتغيير الحقيقي لذاتها بما يدعم تطورها في صورة تحافظ على هويتها ، وبصورة ادق فهم يعملون على توحيد الاهداف العالمية من خلال منظمات كوكبية تطالب الدول الاعضاء فيها بالالتزام بتوحيد الهدف والمضمون وتطبيق استراتيجية عامة موحدة مثل 20-30 لاحراز نتائج محددة لن تتحقق الا بقيام تلك الدول بتعديل بنائها التنظيمي وتطوير انظمتها المالية والاقتصادية وقبلها الالكترونية وخدمتها اعلاميا وتشريعيا واجتماعيا بصورة تظهر منظومة القيم والمفاهيم المشتركة بصورة متناغمة وبمساحة مقبولة لدي الجميع وهنا سيكون التغيير المطلوب طبيعي لان الجميع قد وافقوا مسبقا على حزمة من الاهداف ذات الطابع العالمي ومن ثم تصبح عولمة معظم اساليب التواصل والتعامل والتفاعل اكثر تصاهرا بصورة تجعل مقاومتها ضعيفة وعليه يصبح معظم الناس على قدر كبير من التبني للافكار والجهود المنظمة بطريقة الاسراب اي ان المتوافقين جغرافيا او المتوافقين اقتصاديا او ديموغرافيا ينتظمون فى اسراب موازية وهذا يظهر فى التكتلات العالمية التى تحاكيها فى مناطقنا كيانات مثل الاتحاد الافريقي وتحته تأتي كيانات اصغر مثل الكوميسا والسادك والايكاس وغيرها ثم تأتي كيانات كبري اخري كالاسيان والاتحاد الاوربي وهكذا .
كما تري عزيز القارىء فان الجميع سيحلق فى اسراب وفى اتجاه واحد تحدده بوصلة عالمية صممتها وقامت بضبطها القوي الكوكبية التى تشغل مناصب غير معروفة للعوام ولكنها تلعب الدور الاكبر في تحديد خط سير العالم بل وسرعة السير وايضا اسلوب التحليق وكلها اشياء تتطلب التغييرالجمعي الايجابي والتصاعدى السريع فى المهارات.
خامسا : كيف ستتم العملية الجراحية للتغيير ؟ وفقا لنظرية الدفع التى تعتمد على تصميم الاقتراحات الدقيقة وغير المباشرة المدعومة بالأدلة بحيث يتم دفع المواطن العالمي في اتجاه التغيير الذي تريده الكيانات التى تقود العالم يتضح جليا ان الفرضية تنص على أن “دفع” التغييرسيكون أكثر فعالية من فرض التغيير حتي ولو بصرامة وعليه فعلى كل دولة تحديد مقترحات التغيير لديها وان تضع في اعتبارها وجهة نظر المواطن وهذا بالطبع من خلال مجالس النواب والكتل السياسية بصورة يمكن من خلالها تقديم أدلة لإظهار أفضل الخيارات المطلوبة ثم تقوم الالة الاعلامية بتقديم التغيير كخيار وتطرحه للنقاش العريض الغير مجدي احيانا ولكنه فى اطار المشاركة الوطنية والاستماع إلى ملاحظات ورؤي المواطن فى كل انحاء العالم ثم تبدأ عملية تقنين الخيارات حتي يمكن الترويج بشدة الى ترسيخ التغيير مع مراعاة حدوث انتصارات قصيرة المدى تؤمن نسبة كبيرة من التأييد. عزيز القارىء لا تقلق فلك ان تعلم ان نظرية الدفع تسمح للمواطنين برؤية الحاجة إلى التغيير لأنفسهم والتأثير على كيفية صنعه ، مما يجعل المقاومة أقل احتمالًا. كما لو كان الوالد مع طفله ، فإنهم يوجهون المواطنين في كل انحاء العالم كل في سربه نحو الخيارات التي تريد لهم الإدارة الكونية أن يختاروها. يكمن جمال إطار إدارة التغيير هذا في أنه يهدف إلى الحصول على الدعم الكامل من المواطنين ، مع استمرار جعلهم يشعرون بأنهم جزء من عملية اختيار التغيير وإدارته.
صديقي القارىء ، عزيز المواطن العالمي لا تقلق فكم العمليات الجراحية التى يتم اجراؤها كل يوم فى كل مكان تنبئنا بان كل شىء ممكن ، حتي امكانية ان تشارك انت فى كتابة دورك في بعض مشاهد المستقبل القريب اصبح في متناول يدك بل هو ليس فقط حق من حقوقك ولكنه ايضا يأتي ضمن مهاراتك وقدراتك ولكن صدقني انت امام عملية اختيار دقيقة وليست بالهينة فانت اما ستنشغل بدورك فى صناعة مستقبلك او انك ستنشغل بدور غيرك او انك قد لا تنشغل بالاثنين اصلا وتعزف عن المشاركة فى اي شىء قناعة منك انك غيرمهم اصلا وغير مؤثر وانك مهما قلت او فعلت فان القافلة العالمية ستستمر في السير فى اتجاهها وفقا لما تم التخطيط له مسبقا سواء بعلمك او بدون واذا لم يكن لك مكان بالقافلة فستضطر الى اللحاق بها او اقتفاء اثار بعرات اخر بعير فيها وفى كل الاحوال فانا وانت جزء لا يتجزأ من هذا العالم الذي يعيش على هذا الكوكب الذي عاد ساكنيه ادراجهم لمئات السنين ليختلفوا من جديد حول ما اذا كان الكوكب كرويا ام مسطحا فيا ويلي اذا انا بت خالي الذهن ام اصبحت منشغلا بما لا ادري عنه شيئا.
سيدى المواطن لقد احببت فقط ان ادخلك فى المود اي اجذبك الى هذه الحالة الفكرية وبصراحة كنت عايز اشدك شوية فى اتجاه مستقبلك و ياريت تبقي تبعتلي تقولي انت فى القافلة ولا بتجري وراها ولا راحت عليك نومة …ايها المواطن اشترك فى خدمة فوقني شكرا عشان تعرف ان بقاء دولتك من بقاءك وامانها من امانك ومستقبلها هو مستقبلك وغناها هو غناك واي حاجة حلوة او صعبة حاتعود على الجميع فياريت نقرا ونفهم ونتابع ونستوعب وقبل كل دة نشتغل علي نفسنا قبل ما غيرنا يشتغل علينا او .. يشتغلنا.


جريدة الجمهورية

2/10/2020