المارد المدني

المارد المدني

الجميع يعلمون ان الفساد ، الفقر ، الجهل ، الجوع ، الارهاب ، المرض ، و الامية كلها تشكل في مجموعها حزمة من المشاكل التي يواجه الناس نتائجها وتاثيراتها وتبعاتها في البلدان النامية. وتقفز علي السطح مدلولات عالمية الهوية تشير الي ان العديد من هذه المشاكل ناتجة عن نقص المال والموارد والنفاذ إلى المعلومات والأدوات بالاضافة الي الاستبعاد والخوف والترهيب والبنية التحتية المعطلة في بعض الدول وهذا من وجهة نظر الهيئات ذات الصبغة الدولية. ومن ناحية اخري تعلن معظم حكومات دول العالم الثالث انها تهدف الي القضاء علي معظم تلك المشكلات او بالاحري القضاء علي اسباب تزايد واستمرار هذه المشكلات وهنا يقفز سؤال يقول متي يمكن ان تتحول دول العالم الثالث الي مستوي يضاهي دول العالم الاول؟ وهل هذه المشكلات تشكل معضلات تعجز الشعوب و الحكومات المتعاقبة عليها رغم جهودها المتواصلة والظاهرة في مواجهة تلك المشكلات؟ .
تري بعض الهيئات الدولية المهتمة بشئون العالم الثالث ان المصادر المفتوحة هي من اهم السبل لايجاد مخارج متعددة من انفاق تلك المشكلات وان من اهم هذه المصادر هي نتاج حيوية وتفاعل مجتمعات الأفراد ذوي التفكير المماثل ، والذين يعملون سويا ، ويشاركون بشكل مفتوح وبحرية في الأفكار والحلول لمصلحة الآخرين اي بقية المجتمع وانه بسبب تعدد وتنوع وتزايد هذا النوع من المجموعات المتنوعة من المساهمين في العمل المدني المحلي والدولي يمكن مساعدة الحكومات في تحقيق نتائج افضل باتجاه ايجاد الحلول لتلك المعضلات بصورة نسبية كبيرة .
ان فكرة مجتمع المصادر المتاحة للجميع تشكل اهمية قد تكون غير قليلة في تكامل الافكار والجهود باتجاه الحلول، من خلال تحديد المشكلات و ابراز مكوناتها واسبابها واكتشاف بدايات حلولها بشكل أسرع. وفي أكثر الأحيان ، فإن التقدم نحو حل يحدث بشكل أسرع لاحد المشاكل الأساسية سيكون أفضل بسبب هذا التنوع في الرؤي من قبل الاطراف الاكثر تحررا من هؤلاء الذين تقيدهم مسئوليات وظائفهم القيادية مع ارتباط هذا كله بمدي معرفة هذه المجتمعات المدنية بابعاد المشكلات ومدي فهمهم للاسباب الاصلية او المستمرة لتفاقم تلك المشكلات بالاضافة الي مستوي خبراتهم العلمية او العملية بما يكفي لتفاعلهم وتواصلهم وملائمة اطروحاتهم المقترحة لحل هذه المشكلات دون الاخلال بمستوي الاولوية التي تعطيها الحكومات لحل تلك المشكلات.
ما يمكن ان نلتقطه من هذا الزخم سواء كنا خبراء او كبراء او فقهاء او فقراء ، ان المجتمع المدني يحتاج الي مصدر منظوم يعمل كمورد مجاني من المعلومات والأدوات التي تساعد الناس في كل مكان على خلق مناخ ايجابي وحيوي وحالة فعالة من التفكير والتفاعل والمساهمة والمساعدة في الفهم الافضل لابعاد المشكلات التي تواجههم وطرح الحلول الانسب والاكثر ملائمة للتطبيق ضمن قنوات العمل الحكومي او مسارات العمل المجتمعي الذي تقوم به المؤسسات والمنظمات الاهلية في اطار من العمل المتناغم من اجل مستقبل أفضل لأنفسهم ولدولهم.
الجميع يعلمون ان هناك تحديات كثيرة تواجه هذا الفكر النبيل منها ضعف مستوي الوعي والادراك لابعاد المشكلات في العالم الثالث بالاضافة الي انظمة التعليم الغير مصوب باتجاه انتاج القدرات البشرية الفعالة وذلك بالتوازي مع الافتقاد الي منظومية واستمرار صناعة الاستراتيجيات و الأدوات العلمية والعملية اللازمة ، ناهيك عن ضعف مستوي الاستثمار للموارد المتاحة.
ايها السادة ان المجتمع المدني يمكن ان يشكل قدرات نوعية هائلة و لانهائية قد تكون بمثابة قبلة الحياة لدول وشعوب يصر كبار اللاعبين علي الكوكب علي التخلص منها ، ان هذا المارد الكبير الذي يسمي المجتمع المدني يمكن في حالة تنظيمه و دعمه وامداده بما يحتاج من تاهيل وتنوير وتطوير ان يشكل بجحافله القوة الضاربة الاساسية التي تضرب تضخم وتفاقم المشكلات الكبري بل يمكنه ايضا حال نضجه ان لا يسمح بولادتها اصلا.
اذن نحن امام اكبر قضية يمكن ان تشغل بال القائمون علي قيادة الدول في العالم الثالث الا وهي المجتمع المدني ، ذلك الكائن الضخم الذي يسير هائما في كل اتجاه تتصارع بداخله قوي متباينة من حسن النوايا والوطنية المتاججة وفي ذات الوقت الولاءات المتبعثرة والمصالح المتناثرة الا انه و في نهاية كل يوم يبحث لنفسه ولشرائحه عن دور تكاملي فعال مع الانظمة الحكومية ايا كانت توجهاته لانه وفي كل الاحوال لن يستطيع الانطلاق بحرية وابداع خارج نطاق المظلة.

ايها السادة فلنهتم كثيرا بتاهيل وتثقيف وتنوير وتطوير وامداد المجتمع المدني بما يحتاجه من المقومات التي تساعده في مد يد العون للانظمة الحكومية ولنفتح له بوابات المعرفة ليفهم ولنعرض له النتائج بدقة لكي يدرك ولنستخدم وسائلنا الاعلامية بحرفية ونزاهة وبطريقة علمية كي نرفع مستوي ثقافة ذلك الشعب الذي يمكن ان يتشكل معظمه علي هيئة مارد ذكي يفهم ويعلم ويقدر علي تغيير اوضاعه الاستراتيجية بصورة فعالة تزيد من فعالية الجهود الحكومية وتزيل حواجز الفهم المشترك لنفس القضايا التي يكثر حولها الجدل فيعطل جهود حلول مشاكلها .
اسئلة تفرض نفسها ، واخصصها لوطني الغالي ومسقط راسي و بؤرة اهتمامي و فداه روحي ودمي وكلي امل ان يحظي طرحي باهتمام شعب و قيادة هذا الوطن ، النفيس بما يملك القوي بجنده والعظيم بتاريخه ، ما الذي يعطلنا عن الاتفاق علي اليات مشتركة لبلوغ نفس الاهداف التي نسعي اليها جميعا نحن وحكوماتنا؟ الي متي سنظل مختلفين حول تلك الاليات؟ لماذا يتجول الاعلام في غابات الاختلاف دون ان يضئ الطريق امام الجميع كي يتجهوا لنفس الهدف المشترك كل من موقعه ولكن في الاتجاه الصحيح ؟ لماذا ينأي العلماء بانفسهم عن ميادين المشاركة العملية ويترفعون عنها مهما بلغت عشوائيتها اليسوا هم المنوطين بالتنوير؟ لماذا لا نهتم بتقويم وتجديد وتحديث وتطوير وتفعيل ما لدينا من قلاع ضخمة اصابتها رياح الاستاتيكية كالهيئة العامة للاستعلامات وماتملكه من مراكز الاعلام الداخلي التي تقارب المائة والتي يجب ان تكون مراكز التنوير للمارد المدني لتلعب دور المصادر المفتوحة الموثوقة من قبل الدولة للمجتمع المدني و هيئة قصور الثقافة و شبكتها المترامية من قصور الثقافة التي يمكن ان ترسم لوحات ابداعية علي جدران الوجدان القومي للمجتمع المدني وب ما تملكه من من زخم ثقافي متراكم و ايضا منظومة المواقع الاثرية الفريدة واكرر الفريدة و التي يمكن ان تضئ كهوف الحضارة ليتمكن المارد المدني من اكتشاف مواطن قوته ويستلهم قدراته الفائقة في مواجهة كل ما يعوق تحوله الي العالم الاول.
ايها السادة الكرام ، لا مناص ولا مفر من سعة الصدر والفهم المشترك والغيرة الوطنية وقبلها الغيرة الحضارية والعمل الدؤوب واستثمار الطفرة النوعية الكبري التي تحدث الان علي المستوي الاقتصادي والاستثماري فان الكوكب يدور و يدور ولا يبقي علي سطحه الا القادرون علي البقاء لاننا و للاسف نواجه في زماننا هذا بصورة حقيقية ما كنا نطلقه علي الغابة وفقط الغابة الا وهو صراع البقاء فلنحسن استثمار ما تبقي لدينا من طاقات فكرية وعلمية وثقافية وموارد اعتقد انها تكفي لان يعيش احفادنا واحفادهم في ظل خيراتها ويدعون لنا بالرحمة علي ما انجزناه من اجلهم.

جريدة الجمهورية

21/9/2018