الأفكار والإستقرار

الأفكار والإستقرار

التغيير هو الثابت الوحيد في العالم كما أن الموت هو الحقيقة الثابتة علي كوكب الارض و يتفق العالم علي ثلاثة بدائل استراتيجية للتغيير هي الأفكار الجديدة أو حلول لمشكلات وتحديات أو تطوير وضع قائم وشغال .
تمر مصر منذ ثمانية أعوام بمرحلة انتقالية متعددة الأجزاء واستمر الجزء الاحدث والذي بدأ بعد الثلاثين من يونيو في التطور عبر التحسين والتنمية والتعديل في خطوط متوازية ولكنها في اتجاه واحد يدفع بسفينة مصر في اتجاه بر الأمان والنمو والنماء وهذه الرحلة يتحمل اعبائها الشعب المصري وحده وهو الذي يقوم في نفس الوقت باستضافة اكثر من خمسة ملايين وافد ولاجئ من الفارين من جحيم الانهيارات الكبري الناتجة عن التطرف والعنف والإرهاب .
نحن المصريين لدينا مزاج عام قد لا يفهمه غيرنا كما أن لدينا حاسة خاصة تشكل دليلا مضيئا في ظلام المتغيرات ومهما يأتي إلينا من المغيرين فإنهم يرتدون الي الوراء ويتوارون من شدة غبار وعجائب المزاج المصري ولطالما قام المصريون بمفاجئة العالم بعكس ما كانت شعوب وحكومات الارض تتوقع ولقد عبرت مصر وشعبها الضاربة جذوره في عمق التاريخ جبال وبحار من التحديات لم يكن لغيرهم أن ينجوا من اهوالها ولكنهم أصروا وصمدوا وتحملوا الآلام والتبعات والصعائب والشدائد فكانت دائما المفاجئة من السماء بأن تنجو مصر والمصريين من عدائيات وغبائيات المغيرين والمعتدين والمغيبين .
نحن نمر الآن ومنذ فترة بعنق زجاجة يضيق بمن فيه بل يكاد يخنق من يعبرونه ولكنهم ليسوا بقطعان من الكائنات ولا هم بعميان ذلك لأنهم يرون بأعينهم من جدار النفق الزجاجي ويقيسون المسافات والزمن المتبقي كي ينجو الجميع من احتمالات السقوط كغيرهم من الشعوب المجاورة .
لايزال تدفق الوافدين واللاجئين ومن يلوذون بمصر الرحيمة وشعبها الحنون ساريا وهذا الأمر يشكل دلالة استراتيجية علي كون مصر هي الوحيدة التي تقف صامدة بل وتطلق العنان لطاقاتها وقفزاتها لتبلغ بر الحياة الآمنة المزدهرة ولم يري العالم من قبل دولة تنمو بنفس القدر الذي تكافح فيه من أجل البقاء وسط زلازل الأحداث وتعدد الانهيارات في الجوار.
ايها السادة ان مصر تأبي علي نفسها إلا أن تستمر في رسم امتدادات لخريطة استراتيجية تظهر من اعلي نقطة فيها علي انها تكاد تكون الطريق الوحيد الي المستقبل الآمن ولولا أن الله قد شاء بحكمته من قديم الأزل أن تظل مصر باقية ببقاء هذا الكوكب لصارت مصر منذ زمن طويل الي هاوية لا ينجو منها كائن من كان ولكن الله دائما كان بها رؤوفا رحيما.
من ينظر بعين سليمة الي موقع سفينة مصر الان في خضم بحر الأحداث سيرتد إليه بصره واثقا من صورة لا يمكن أن تخطئها حكمة الحكماء وعقل العاقلين الا وهي أن تلك السفينة التي تحمل علي ظهرها الي جانب شعبها العريق العريض الإنتشار شرائح ليست بالقليلة من شعوب أخري باتت بلا ارض ولا عرض لم يأتوا اليها إلا برضا منها و لواذا من جحيم مقيم ، لم لا وهي الآن سفينة النجاه الي بر الأمان.
بعد أكثر من ثمانية أعوام مرت علي اندلاع فجائية يناير ٢٠١١ وما صاحبها وتلاها من تأرجح وترنح و زعزعة زمكانية يمكن لأي عاقل وحكيم أن يشهد بعدل واضح علي رحمة ولطف الإله بشعب مصر الذي يعلم بفطرته أن مستقبله لن ياتي الا باستثمار كافة ما لديه من مقومات وأن ذلك الاستثمار لن يتأتي إلا بمزيد من التحديث والإعداد والتجهيز والتعزيز للقدرات والانجازات التي لا يمكن أن تتحقق إلا بالاستقرار نعم الاستقرار والشعور بالأمان والاحساس بالاطمئنان حتى وإن زادت وتفاقمت رسوم وفواتير ذلك الاستقرار لأن العاقلين يعلمون أنهم لو فقدوا عنصر الاستقرار و انحسر العمار فلن يحصدوا الا الموت و الدمار فمن كان يرجو ذلك المستقبل واكرر المستقبل بل هو المستقبل الآمن فليعمل مخلصا لملاقاته أو علي الاقل فليعمل بضمير ليضمن لذريته مستقبلا افضل مما حصل عليه أو افضل مما لم يتحقق في عين حياته لأسباب عدم الاستقرار.
هذا نداء لكل من تدور في رأسه افكار قد تكون علي قدر كبير من الصحة منطقيا في ظروف أخري ولكنها الان تخلو من ضمانات الاستمرار في الحفاظ علي الاستقرار وفي هذا فقد يتنافس المتنافسون ويتجادل المتجادلون حول الكثير من المعاني ووجهات النظر والرؤي التي لا تتعرض باي شكل الي ضمان بقاءنا جميعا وبقاء بلادنا بل أيضا بقاء المتحدث نفسه ليكمل عرض رؤيته التي قد تتعارض مع رؤية قيادة السفينة بما لديها من معلومات هامة ، الا في ظل ذلك الاستقرار الذي توفره تلك الإجراءات لتستمر السفينة في السير في الاتجاه المنشود وهو بر الأمان.
ايها السادة سأقتبس تلك الحكمة لأختم بها رؤيتي “لو علمتم الغيب لاخترتم الواقع” والله يعلم اني لا اريد الا الاصلاح ما استطعت واكرر ان كلماتي كلها تعني اننا إذا لم نحترم ما أنعم الله علينا به من أمن وأمان واستقرار بينما غيرنا من الشعوب تنهار عليهم بيوتهم وتحترق أوطانهم فإننا قد لا نجد فرصا أخري حتي لعرض أفكارنا فالحمد لله علي مصرنا الآمنة بينما تنهار الاوطان من حولنا والحمد لله علي إصرار من يقودون سفينة الوطن علي ابقاءها في مسارها باتجاه بر الأمان رغم كل ما تتعرض له السفينة من اخطار تعوق الاستمرار و تزلزل الاستقرار .
اللهم احفظ لنا ارضنا وسماءنا وهواءنا واهلينا ومياهنا ومواردها وحاضرنا ومستقبلنا من كل ما يواجهه من حولنا من الامصار واحفظنا واحفظ لنا ما انعمت علينا به من سكينة واستقرار من شر الاشرار ومن مسببات الانهيار ومن غارات الأغيار وانصرنا علي كل الفجار انك انت اللطيف الرحيم بنا .، أما لمن اراد مصرنا بسوء فانت القاهر القهار

جريدة الجمهورية

24/4/2019