الحاضر والمستقبل

الحاضر والمستقبل

تتعاقب الأعوام وتتوالي الليالي والايام وتتجدد الامال البشرية في مستقبل أكثر جمالا من الماضي والحاضر وتتجدد امنيات العالم أجمع بمزيد من الخير والاستقرار والنمو والسعادة ولكن دائما هناك حقائق دائمة ومستمرة وصلبة صلابة الصخور في مواجهة تلاطم الامواج العاتية التي تتكسر وتنتهي علي سطح تلك الصخور وهناك ايضا متغيرات عظيمة ولكنها لم ولن تتمكن من ازالة او محو تلك الحقائق المتأصلة عبر الزمن .
لقد تيقن العلماء ومنهم من اعرفه شخصيا من خلال اكتشافاتهم ان الحضارة المصرية ليست حضارة السبعة الاف عام فقط وان عصر القدماء الرائعون ليس الا حقبة زمنية او مجرد فقرة في سلسة العمود الفقري للزمن المصري وان المصري القديم يمتد عمره الي مئات الالاف من السنين وهذا ما تم تاكيده من تلك الادوات المصنوعة بحرفية ودقة تدل علي التقدم والتحضر والثقافة التي كان عليها الانسان في مصر خاصة منذ قديم الازل وان الرابط الاساسي بين الامم المصرية المتعاقبة هو الفكر والثقافة والرغبة في الحياة و وجوب التطور من اجل استمرار السيادة علي الارض .
ان عظمة حضارتنا علي وجه الخصوص هو كثافة وروعة التدوين للاحداث والشعائر والمراسم واسلوب الحياة والتوثيق و ما ادراك ما اهمية التوثيق لذلك فان معرفتنا القاصرة بالزخم الكبير لما يتم العثور عليه من اثار وتدوينات تحكي لنا كيف قام المصريون القدماء بصناعة ذلك النوع الفريد من الحضارة لاتزال تبرز علي السطح مقولات الزمن الجميل والتشدق بما صنعه القدماء وليس بما نضيفه نحن الي الحضارة وتتركنا تائهين بين دروب المتنافسين علي كوكبنا العجوز بل وتتركنا عرضة لضروب الخرافات والامال المجوفة و رعونة المزاعم وتردي مستوي الانسانية في افكارنا واقوالنا وافعالنا الا من رحم الله.
بنظرة بسيطة علي مجمل ما تعرضه لنا متاحف العالم عن حضارتنا التي نحن بها اجهل من غيرنا يمكن ان نلاحظ مدي جدية ما يتم تدوينه ومدى جدية ما تم تركه لنا عن قصد لنفهم ماهية الحياة وما بعد الحياة ومدى ما اهمية مايجب ان نعلمه عن انفسنا وعن كوكبنا وعن خالقنا بل ومدي ما يجب علينا ان نعيره اهتمامنا ونلتزم به من القيم والاخلاقيات .
بقفزة كبري الي عصرنا الحالي سنجد ان من اشهر سمات البشر الحديثين في منطقتنا والمعروفة لدي العالم اننا نعشق النكتة والفكاهة والتي روجنا بها لقدرة البشر علي مواجهة الصعاب والاعداء والمغيرين وتسلط المحتلين علي اساس انها سمة حضارية عظيمة .
ايها السادة فلنقف ليس فقط دقيقة حداد بل لنقف مع انفسنا وقفة رجل حكيم ولننظر ماذا اضفنا للحضارة مثلما اضاف قدماؤنا ولننظر بعين التقييم الي ما انجزناه من وجهة نظر غيرنا مثلما تبهرهم انجازات من قبلنا ولنواجه انفسنا بحقيقة مرة وهي ان السائحين من العالم ياتون ليزوروا بيوت ومعابد وقبور قدمائنا ولاياتون لزيارتنا نحن والاستفادة من علومنا و انجازاتنا .

نحن لدينا اهرامات بما حوت من علوم البناء والفلك والطاقة ولدينا كنوز ومواقع فريدة ليس لها شبيه ولا يمكن مقارنتها بغيرها من اثار وكنوز ودفائن العالم ونحن لازلنا نسبح في بحور الجهل والعشوائية والفكاهة والفساد والتردي المستمر في القيم والاخلاق وقواميس الشتائم والسب واللعن عندنا تملأ الهواء الذي نستنشقه واعذارنا لا تنتهي وتراجعنا اصبح مخلا وانحدارنا بات مشينا والاطماع فينا وفي بلدنا في تصاعد مخيف و لم يعد لدينا رغبة في الرقي وزهدنا في الاصلاح رغم ما نروج له كل يوم عن الصلاح واشتهرنا بالكلام لا بالافعال ولم يعد في جعبتنا شئ نضيفه لانفسنا ولا لغيرنا وتلك هي الحقيقة المريرة ومن لديه غير ذلك فليعلنه وارجو الا يكون ذلك من فقه الطاقات الايجابية وما شابه فالايجابية الوحيدة هي الاستفاقة من الغيبوبة والانطلاق بلا هوادة باتجاه المستقبل والعمل بلاكلل والتعلم بلا ملل والتخلص من جميع العلل والاستفادة من جميع الملل والتفوق علي النفس واستعادة الهوية الانسانية وترميم المنظومة القيمية والتصدي لكل عوامل ومظاهر ومقومات الفساد وكل ما يؤدي الي الكساد ولنقف في وجه كل معتدي من الداخل قبل الخارج ولنعيد بناء حضارتنا وليرتفع مرة اخري مستوانا البشري لنعود الي مرتبة انسان فكل انسان بشر وليس كل بشر انسان .
يا ايها الناس تفكروا في انفسكم واستفيقوا من اجل مستقبلكم ولنتخلص جميعا من كل ما احوجنا لغيرنا ومن كل ما ينقص من قدرنا ولنعد من مساوئ غيبتنا الي مميزات حاضرنا ولنصطف جميعا في وجه كل ما يهدم شموخنا ويهدد وجودنا ويضعف سيادتنا علي ارضنا ولنترك قليلا الفكاهة التي ادخلتنا الي المتاهة ولتظهر علينا صفة التحلي بالجد و لنستعيد قدرتنا علي صناعة ما يغنينا عن غيرنا ولنرسم لوحة مستقبلنا بايدينا وليس بريشة الفنانين من الماكرين من غيرنا من الامم.
ايها السادة اتمني ان يتوقف الهزل و يتوقف حرق مظاهر الحضارة ولنكتفي بهذا القدر من تدمير انفسنا ومقومات حياتنا وجلد انفسنا والسخرية من اوضاعنا ولنراقب انفسنا ولنحاسب المقصرين ولنكافئ المجدين ولنفتح الطريق للمفكرين والعلماء والصادقين وليظهر فينا من يصون حضارتنا وينفض عنها غبار الجهل والسنين ويعيد اليها بريقها ويشعل فينا طاقة العطاء و الجدية في انتاج النماء وليبدأ الجد كي يمكن ان تكون لنا فرصة كبيرة فيما سيأتي به الغد فلسنا اقل من غيرنا ولسنا في الاصل كغيرنا ولنتذكر دائما ان تاريخنا العريق يفرض علينا مسئوليات جمة تجاه انفسنا وغيرنا .واخيرا وليس اخرا فلنبدأ بتغيير حاضرنا من اجل مستقبلنا


بوابة الجورنال العربي

30/12/2019