يشهد العالم الان استمرارا لظاهرة التحولات الكبري في عدة مناطق وجوانب في ذات الوقت وتعمل الكثير من الدول والمنظمات والاجهزة بشكل نشط جدا علي استقراء المستقبل بصورة فاعلة تساعدهم علي اتخاذ قرارات تمكنهم من توجيه مسارات الاحداث الي الجوانب التي تحقق مصالحهم بل اكثر من ذلك حيث تسعي العديد من الاجهزة ذات العلاقة بالمنظور الامني السياسي والاقتصادى والقومي الي انتاج كل ما يضمن الامان والاستقرار لخططهم التي تهدف الي تحقيق ماتصبو اليه حكوماتهم ودولهم .
ان استقراء المستقبل بصورة استراتيجية اصبح يشكل موقفا فكريا اكثر من كونه طريقة للتحليل لانه فى كل الاحوال يسير باتجاه انتاج الاهداف التي تسعي اليها الدول وفق تصورها لتحقيق الخير والامان لشعوبها.
من ناحية اخري تسعي دول العالم الثالث بصورة مكثفة لتقليص مساحة او حجم القلق بشأن ما سياتي به المستقبل ولعل ما يشاهده العالم من احداث تبدو غريبة في العديد من المناطق يمثل دليلا كبيرا علي السعي المستعر لضمان استمرار ووفرة مقومات الامان والاستقرار بل والنماء مهما كلف الساعين لذلك من جهود قد تشكل في معظمها اعباء هائلة من الممكن ان تنتج تبعات كبري قد تؤدي الي شقاء لمجتمعات بل لشعوب باكملها.
يعلم الخبراء والمتخصصون والمراقبون جيدا اننا لكي نستقرئ المستقبل فعلينا ان نبذل جهودا كبيرة في فهم الحاضر بكل تعقيداته وجوانبه ويجب ان ننجح في التقاط اشارات البث لسيناروهات كل ما يحدث حولنا وكل ما يمكن ان يحدث كنتيجة لتلك الاحداث.
ايها السادة ، ان الوضع الراهن ، يخبرنا بان الجميع يعملون سرا وجهرا ، في استقراء المستقبل ، بل وينتجون من الاحداث مايهدم بالفعل ، بل ، وسيقضي على دول ، بشريا وتاريخيا.
نحن بالفعل امام معضلة كبيرة لان منطقتنا العربية تشكل مسرحا لاحد اكبر سيناريوهات الاحداث الناتجة عن ليس فقط استقراء المستقبل ولكن محاولات صناعة المستقبل من وجهة نظر اللاعبين الكبار والذين يتبارون ويتنافسون علي الفوز باكبر نصيب من المقومات التي تمتلكها الدول التي يلعبون مبارياتهم الكبري علي ارضها ، فهل سيحققون مآربهم ؟ و اذا نجحت خططهم تري من سيفوز باكبر كم من المقومات التي لن يحصلوا عليها الا علي جثث واطلال شعوب و حضارات هذه المناطق الهامة من العالم؟ .
علي الجانب الاخر نري جميعا موجات متلاطمة في بحور كبري من الاراء والتكهنات التي قد تحكمها توجهات او ثقافات ناتجة عن الزيادة المفرطة في الإنتاج والتوزيع الغير منظم للمحتوى الرقمي علي شبكة الاتصالات الإلكترونيةعبر مجموعة واسعة جدا من الأجهزة الرقمية المنتشرة بين ايادي كل كبير وصغير انتجت فضاء كوني جديد من الظواهر الاعلامية التي لها بالفعل ﺗﺪاﻋﻴﺎت هاﻣﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﻴﺔ تتسم بالتخبط والتداول العشوائي وعدم اليقين بشأن العديد من نتائج الاحداث التي تصنعها الاجهزة والتنظيمات الكبري في العالم وخاصة في منطقتنا العربية.
ان الخلط الكبير بين الترفيه والتنوير الثقافي والتواصل الاجتماعي، يزيد من الفجوة الاتصالية بين من يقودون الدولة وبين المجتمع باطيافه وشرائحه المختلفة ، الامر الذي يجعل مجتمعاتنا فريسة سهلة لشبكات الصيد العالمية الشرسة التي باتت تستطيع اضعاف قدرتنا علي التمييز والتقييم وحسن الاختيار بل وجودة القرار وذلك نتيجة للضعف الكبير الناتج عن الخلل الواضح في منظومات الاعلام والثقافة والتعليم لدي منطقتنا العربية التي اصبحت الضحية الكبري لمخططات من يريدون صناعة المستقبل بصورة تتوافق مع ما يريدون وهم في سبيل ذلك لا يبالون بسقوط دول وحكام وحكومات وانهيار متوالي لمجتمعات بل ولحضارات عريقة.
ايها السادة نحن بحاجة شديدة للحوار الشفاف واظهار مزيد من الرغبة في التفاهم و الاهتمام بتعزيز القدرة علي الفهم والادراك لما يحدث حولنا في منطقتنا العربية من جراء الضغوط الغربية والشرقية التي تهدف لمزيد مستمر و سهل بل وعشوائي من الاستجابة من شعوبنا بدون اي مساءلة لكل ما يبثونه من جرعات اظلامية وتمويهية للفكر العربي في ظل نفور شعبي عام من كل ما هو جدي وحقيقي ونافع وذلك بسبب هلامية وضبابية وعدم جدية منظومات الاعلام والثقافة والتعليم في تنوير المجتمعات العربية ومساعدتهم في ادراك جوهر ما يدور علي اراضيهم من احداث والتاهل الفكري والنفسي لمواجهة غارات الهدم لكياناتهم من اجل صناعة مستقبل للمنطقة يتفق فقط مع اهدافهم وتوجهاتهم واستقرارهم واستمرارهم هم فقط بدوننا علي هذا الكوكب الذي بات يضج بانواع جديدة من الهمجية والتتارية الشرسة.
ياايتها الشعوب العربية اهتموا كثيرا بل وركزوا فيما هو آت وليس في كل ما قد فات ولنستفق جميعا ولنتحد ولنتكامل بل ملل ولنصوب افكارنا وجهودنا باتجاه صناعة مستقبلنا بما يحقق لنا العمار وليس بما يؤدي بنا الي الدمار كما يريد لنا هؤلاء الاغيار.
وانني اناشد كل مسئول عن الاعلام والثقافة والتعليم وكل مسئول عن تعيين من يقودون هذه الجهات ان يحسنوا اختيار من يتم ترشيحهم لتلك المهام الاستراتيجية واطالب كل مسئول في هذه الجهات ان يبذل كل جهده في تنوير الناس وشحذ هممهم ودفعهم الي التكامل مع جهود الدولة والحرص علي الاصطفاف الوطني والتركيز علي البناء و النماء حتي لا تجرفنا تيارات العناء باتجاه الفناء وليعلم الجميع ان لكل شئ ثمن وان ثمن الامان والنماء والاستقرار ليس بقليل واننا جميعا نعلم ان من بيننا من يدفعون الثمن بارواحهم كي تستمر مسيرة العمار لهذا اناشدكم حسن الاختيار وانتقاء الاخيار والدقة في اصدار كل قرار ولنواجه جميعا فساد الاشرار.
جريدة الجمهورية
14/10/2018