تعج معظم البلدان حاليا بمزيد مستمر بل مستعر من الندوات والمؤتمرات والاتفاقيات والبروتوكولات والبرامج التليفزيونية ونشرات الاخبار والمحافل الدولية والاقليمية والمعارض الفنية وحلقات النقاش بل والمناهج الدراسية وقبلهم جميعا الخطابات الملكية والرئاسية والاميرية وكلمات القياديين للمنظمات والهيئات على كافة المستويات بموضوعات كثيرة تقع كلها تحت عنوان واحد هو ” التنمية المستدامة “ويحدث هذا واكثر منه منذ بدات مسيرة تحقيق اهداف التنمية المستدامة من اليوم الاول لعام 2016 من اجل تحقيق اول مرحلة او نتائج عملية بحلول عام 2030 وفق ما اتفق عليه معظم قادة العالم فى لقاءاتهم الاممية وتعهدوا ان تلتزم دولهم بالاهتمام والتركيز الكافي وبذل الجهد وتبني كل ما يلزم لتحقيق اهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التى اصبحت ترتبط ارتباطا وثيقا بالصورة الذهنية للامم المتحدة لدى كل المنظمات والمجتمعات حول العالم حيث كان الشعور فى ذلك الوقت هو امل يتجدد فى مستقبل اهدأ وارقي واغني وانقي وأأمن للبشرية التى تعاني الفقر والجوع والمرض والجهل والارهاب والعنف والتفرقة والضعف وقلة الموارد حول العالم.على الرغم من ان الكثير من الدول وفى مقدمتها مصر تعد نموذجا حقيقيا فى الالتزام بجوهر هذا الاتفاق الشريف المحترم والذي من المفترض انه يهم الشعوب اكثر من كيانات الدول الا انه وبفضل غرابة وعجائب ما لا تنتجه كافة الجهات المسئولة عن تنوير الشعوب وخاصة العربية من رؤي ومحفزات وشروحات و تثقيف وتاهيل وتدريب وقبلهم جميعا تعليم وتوعية وتنبيه وتحليل دوري لمدي تقدم مسيرة التنمية المستدامة بفضل المساهمات الشعبية ومدى التزام الافراد والاسر بالعمل على تغذية ودعم هذه المسيرة من اجل الحصول على نتائج يستحقونها عن جدارة وليس عن استجداء او استعطاف او صياح واثارة للشغب بهدف لفت الانتباه لمشكلات تتفاقم بنفس معدل التجاهل الفردي او الجماعى او الاستخفاف بالجهود الرسمية او اللامبالاة بشان المستقبل او الانصراف عن مواطن بذل الجهد والمزيد من التحمل لصناعة المستقبل الآمن الرغيد.سيل من الاسئلة التى لا يتعرض لها الاعلام ولا تتناولها الخطب والخطابات والكلمات والمداخلات عبر البرامج والندوات التى تحفل بالكريمات والتكريمات والصيحات والاعتراضات بينما تسير خطط العمل الرسمية فى مساراتها بوضوح فى ظل تجاهل شعبي واضح بل وامتعاض من الكثيرين واعتراض من الغير متوافقين مع ما يجب ان يحدث من الجهد.
كيف ستتعامل الاجيال القادمة مع يصنعه الجيل الحالي ؟؟ من سيتحمل فواتير تدمير امم ودول ومجتمعات وحضارة انسانية ؟؟ من سيكون مسئولا عن اعادة كل من تشردوا الى ديارهم وكيف ستكون ديارهم فى ظل ما تم ويتم هدمه؟؟ من سيكون باستطاعته توفير الحد الادني من مقومات الحياة الكريمة لشعوب انهارت كل مقومات حياتها؟؟ من هي الدولة او الجهة او الفرد النابغة الذي يمكنه ان يقود عالم اليوم باتجاه صلاح احوال الشعوب على كوكب الارض كي يضمن لهم مستقبلا اكثر امنا وسلاما واستقرارا ورخاء؟؟ فى الواقع ان هذا النوع من الاسئلة يحظي بالكثير من اللامبالة والاعراض عنه بنفس القدر الذي يجب ان يحتل به صدارة اولويات التفكير لدي كل انسان يمشي على هذا الكوكب.
ايها السادة لقد اصبحنا نعيش على كوكب تزداد فيه فجوة الاختلاف بقدر ما تزداد فيه رقعة تكنولوجيا الاتصالات وماكينات التواصل الالكتروني الاستاتيكي الذي تطلق كم هائل من الافكار المتبعثرة وتشتت ولا ترأب وتفرق ولا تجمع واصبحت الجماهير كلها تظن انها عالمة بكل الامور ومطلعة على كل الخبايا بل ويظن الكثيرون انهم متخصصون وخبراء ، والجميع قد اصابته لعنة النقد والنقض والعقد والفض دون اى رقيب او حتى مرجع بينما هم لايقدمون ما يكفي لتحقيق تلك الاهداف التى يرون انهم يستحقونها وهذا ليس من فعل الشيطان ولكنه من قصور التنوير والتثقيف والاعلان والتعليم والاعلام.اننى كفرد ومواطن وبشر يعيش على ارض مصر التى هي قلب العالم واصل حضارته اخشي ان تصبح فكرة ومضمون وجوهر وابعاد عملية التنمية المستدامة دخان بلا نار واحاديث تملأ الفراغات وحكاوي بالليل لا تجد صداها بالنهار، واقول هذا وانا بالفعل اشاهد واسمع دوي هائل ودخان كثيف وغبار لا ينقشع نتيجة الكثافة المفرطة فى التناول الكلامى والادبي والسطحى والنظري والخطابي والاعلامي الذي تقوم به جحافل من الناس وقوى العالم والمجتمع المدني فى كل مكان وتحت كل مظلة وفى اروقة المجتمع الذي ان سالته عن معني التنمية المستدامة او ما هي استراتيجية مصر 2030 فسيتلعثم ويتخبط ولن يجيب الا القليل منهم رغم ان عملية التنمية المستدامة هى فى الاصل موجهة للشعوب وتهدف الى رخائها وسلامتها وامنها ونقاء بيئتها وصحتها ومستوي تعليمها واستقرارها واستثماراتها ، وفى الواقع فان تخوفي ومشاعر القلق التى تنتابني ان ما اشاهده ويتفق معي كثيرون من الخبراء والمتخصصين بل والمسئولين الرسميين الذين يبذلون جهدا حقيقيا يمكن قياسه بالفعل على صعيد تحقيق اهداف التنمية المستدامة وخاصة ان من يؤكد ذلك هو راس الدولة الذي يري العالم كله ويسمع ولا يجادل ويعلم انه جاد جدا فيما يعد به ويهتم به ويعمل من اجله بل ويلزم وزرائه ومحافظيه به بشأن تصويب كافة الجهود التى يمكن ان تضمن لشعب مصر الحصول على اكبر نسبة ممكنة من فرص البقاء والنماء والرخاء واستمرار البناء.
ايها السادة احرصوا على ان يكون لكل منكم دورا فى البناء وان يساهم كل منكم فى تحقق النماء وابذلوا الفكر والجهد الحقيقي من اجل البقاء والرخاء ولا تتركوا انفسكم لفضاء الحوارات وسفاهة النقاشات واناشد كمواطن غيور كل مسئول عن التنوير فى مصر والمنطقة العربية ككل ان يخلصوا العمل ويكثفوا النشاط ويصوبوا الجهود باتجاه تثقيف الجماهير وتاهيلهم لعملية التنمية المستدامة واعدادهم صغارا كبارا لفهم وادراك حجم واهمية ما يجري على الكوكب فى هذا الشان فالموضوع والله جلل وكلنا جميعا نشكل اجزاء يجب ان تكون متكاملة فى جهودها لتحقيق التنمية المستدامة وان لم تفعلوا فابشروا بمزيد من التسلية المستدامة التى قد تلهي الجميع بسطحية الطرح وتكرار المشاهد وكثرة التنظير وكثافة التنويع فى التعبير عن احداث التغيير ويجب ان نعلم جميعا ان النتائج الخطيرة لعدم اصطفافنا جميعا وتكاتفنا وتكاملنا مع الجهود الرسمية قد لن نتحمل عواقبها لان ازدياد الفجوة الاتصالية للفكر والجهد ستؤدى حتما الى ضعف الايمان بحدوث التغيير الذي ينتظره الجميع بالفعل.
ايها الكرام ويا من تقودون منابر التنوير والاعلام والثقافة والتعليم والتاهيل ويامن تعدوا الخطابات والخطب والكلمات والاغاني والدراما والافلام استنفروا طاقات الناس ليشاركوا بكل كيانهم فى جهود التنمية المستدامة من اجل القضاء على الفقر والجوع والمرض والجهل والعنف والتطرف والاحتكار والتمييز السلبي والاحترار على الكوكب بنفس القدر المطلوب به تحسين جودة التعليم وامتداد مظلات التغطية الصحية وحصول الجميع على فرص للعمل والحياة الكريمة فلتحسنوا عملكم ولتخلصوا نياتكم ولتكثفوا عطائكم من اجل ذلك المستقبل الذي تحلمون به وتروجون له والله على ما نقول شهيد.
جريدة الجمهورية
29/10/2018