من أكبر قضايا العصر وكل عصر مسألة التقييم والمرجعية لأي قرار سواء على المستوى القانوني او الاخلاقي والقيمي ، وما اكثر تلك القضايا التي يختلف حولها الناس والمنظمات والدول و ليس هناك عنصر شديد الانتشار في كل بقاع الارض اكثر من الجدل ، كما انه ليس هناك بلوي علي هذا الكوكب اكثر من الجنوح والتشدد والتزمت والتطرف.
الاعلام في العالم تقوده مجموعة من القوي التي تدعمها وتحركها منابض الفكر يالراسمالي وتابعه السياسي ومن هم يطلقون علي انفسهم سادة العالم وعائلته الملكية ، وهم ، من خلال الاعلام العالمي وتابعيه العولميين وجنوده الاقليميين ومرتزقيه المحليين ومتابعيه المتفذلكين في كل مكان يحركون معظم القضايا ويجعلون ما يشاؤون ساخنا ويبردون ما يريدون ،وهذه القوي اكتسبت قدراتها من عظيم تمويلها وما اكثر من يمولون في هذا الاتجاه ، فمن وجهة نظرهم من تسيد الاعلام يسود العالم .
ان اشد الظواهر تاثيرا علي الناس في كل انحاء العالم هي تلك التي تمس امنهم وامانهم وقوتهم اليومي وصحتهم وان اكثر الظواهر تاثيرا عليهم هي تلك التي تتعلق بوجهي عملة حياة الناس علي الكوكب الا وهي ما يتعلق بمعيشتهم ومستقبلهم ، لذلك تقوم الدنيا في اي مجتمع اذا اعلن عن غلاء جديد في مقومات الحياة اليومية كما ينجذب الجميع لكل ما يتناوله الاعلام حول تغيير الحكام والحكومات لان ذلك ايضا يرتبط بما سيتم اصداره من قرارات بشان تكاليف المعيشة او بشان المستقبل.
لم يجد اي عبقري فى العالم حلا لمعضلة تحكم قوي بعينها في وسائل الاعلام العالمية ولم تستطع كل منظومات العالم ان تحشد لمقاومة ووقف سيطرة رؤوس الاموال التي تقف خلف عملية توجيه الرسالة عبر الاعلام العالمي علي معظم كبريات وسائل الاعلام.
ان حجم الشفافية والمصداقية وبراءة المقصد المفتقد حول ما يتم اصداره من قرارات رسمية و غير رسمية وما يتم بثه من رسائل عبر وسائل الاعلام يزداد بازدياد مستوي التعقيد في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية في معظم دول العالم ناهيك عن تاثير فيروس الفساد الفكري والنفسي والاخلاقي والذي يزيد الطين بلة بقدر تسربه الانتشاري بلا هوادة علي كل المستويات في اكبر قلاع وصروح العالم السياسية والاقتصادية و ما يدعمها من غطاءات اعلامية ومالية.
علي الصعيد الفكري والنفسي نري كم هائل من البشر ينجذبون بشدة الي اي رسالة او محتوي اعلامي يدور حول كشف المستور و تسريب الاسرار ، وتعلو وتتعاظم نسب المشاهدة والمتابعة لكل المواد التي تتعلق بنوعين اساسيين من اي محتوي اعلامي او قرارات رسمية او حتي مدنية واهلية هما الاسرار والاشرار.
ان كشف الاسرار هو الاجراء الفائز دائما باعظم نسبة اهتمام ومتابعة واطلاع اما سيرة الاشرار فهي القاسم المشترك الاعظم في المتابعة ومدي الانتشار وبين هذه وتلك تدور الدوائر وتدفع الاموال وتنشر القصص وتجري الحوارات وتصول الكاميرات وتجول الميكروفونات وتصيح الاقلام ليكثر الجدل ويزداد وينقسم البشر علي الكوكب حول مزيد دائم من الخلاف الناتج عن تعظيم الاختلاف وتزداد قوة تاثير وسائل الاعلام و لتتعاظم سطوة من يريدون حكم العالم من وراء جدر واستار عبر نشر الغريب من الافكار واضافة المزيد من الاخطار التي تلهب مشاعر الناس حول العالم فيميلون باتجاه ما يتم اقتيادهم اليه بمحض اختيارهم وبكامل ارادتهم اما طمعا في مزيد او تخوفا من تهديد.
علي الرغم من ان معظم دورات الحياة علي الكوكب العجوز تحدث وتتجدد بتجدد الامل في مستقبل افضل ومعيشة أأمن وفرصة اكبر و نظام اصلح وحكم اعدل الا ان العديد من مجموعات التحليل والمتابعة والمراقبة لما يحدث علي الكوكب لديها نسبة كبيرة جدا من عدم التفاؤل بشان صلاح احوال الكوكب طالما ظلت مظلة الاعلام فى العالم اجمع تصنع المزيد من جدليات الاسرار لتصنع منها حبائل متجددة من صناعة الاشرار وبين هذه وتلك تصول وتجول فرق الغرق في المعظلات والقضايا المصيرية والامنية والمعيشية التي تهدم كل ما يرتفع من البنيان الفكري والثقافي و العلمي والاقتصادي.
عزيزى القارئ المحترم ، دعنا نتفق علي ان ما يدور في طيات الكتمان علي سطح هذا الكوكب ، هو امر شديد التعقيد ، وخاصة ما يتعلق بشان المسائل المستقبلية وخاصة المصيرية منها، وعلي الرغم من انشغال النسبة الاكبر من الناس علي هذا الكوكب بشئونهم الشخصية ولا يعيرون انتباههم كثيرا لتلك المتغيرات اليومية التي يتم تداولها عبر وسائل الاعلام ، الا ان القاسم المشترك بين الجميع هو انجذابهم لما يتم الكشف عنه من اسرار او ما يتم الاعلان عنه حول تعاظم وانتشار الاشرار بينما لم ولن تجد هذا الاقبال علي كل ما يخص الاخيار الا من تريد وسائل الاعلام بايعاز من مموليهم وموجهي دفة سفنهم وبوارجهم ، ابرازه حول بعض المتفوقين والشطار في ميادين هي في حد ذاتها مراتع من يرون انفسهم سادة العالم كما اعلنوها من قبل الا وهي مدرجات وجماهير ملاعب كرة القدم.
ايها السادة ، ان حجم ما تتناوله وسائل الاعلام وتهتم به حول العالم عن ابرز القضايا التي يرون انها يجب ان تحتل المكانة الاعلي في اهتمامات الناس لتخلق المزيد من الجدل والانقسام ، اصبح كبيرا جدا ولن تستطيع امم باكملها مقاومة الانجذاب اليه والخوض فيه والتاثر به بالقدر الذي يريده من يمولون ويديرون هذه المنظومة المتعاظمة عبر الزمن وهي ” الاعلام ” الا بحدوث استفاقة كبري لمنظومة القيم الانسانية ، وتبذل الدول جهودا نوعية جديدة عبر وسائل اعلامها بضخ المزيد من الجرعات التي تحيي المقومات الحضارية للشعوب من خلال وجوها جديدة تمثل بصورة افقية نماذج راقية تقدم رءي متميزة لتوقظ في اطياف المجتمع الانساني مرة اخري شغفه بالعلم ، وحبه للرقي ، وولعه بالفضيلة ومتابعته لاخبار الاخيار واستحسانه للاتقان و العمل و الانجاز وابتعاده السلبيات ونبذه لاخبار الهدم والاشرار.
ياايها الكرام هذه دعوة للعودة الي انسانيتنا ورقي اخلاقنا والاحتراس من التاثيرات السلبية لما تبثه بذكاء و مهارة شديدة وسائل السيطرة العالمية علي شعوبنا العربية التى اصبحت تواجه المزيد من التصعيد للكثير من الصراعات والفتن والغارات الموجهة لهدم الهوية العربية واماتة ما تبقي من الضمير وتثبيط جهود التنمية والعبور الآمن الي المستقبل ولنعلم جميعا ان اي تراخي من قبل الشعوب في التكامل مع الجهود الحكومية علي كافة المستويات لن ينتج الا زيادة غير معلومة في حجم ونوع المخاطر التي تهدد حياتنا جميعا ، لذلك فلنعد انفسنا لمزيد من الجهد لترميم الشروخ القيمية ولنعمل جميعا شعوبا وحكومات علي سد الثقوب التي تكاثرت في ثوب ثقافتنا ولنتحوط ولنراقب ولنحلل كل ما يبث الينا من رسائل من خارج مجتمعاتنا حتي لانفقد ما تبقي من مقومات حياتنا علي مستوي المنطقة العربية ولنصطف جميعا خلف القاطرة الكبري بل والوحيدة المؤهلة لجر عربات القطار العربي الي بر الامان ” مصر “
جريدة الجمهورية
21/10/2018