إنسان مصر

إنسان مصر

إن الإعجاز يأتي دائما من الخالق لانه هو المبدع والموجد لكل شىء ومسبب الأسباب أما الإنجاز فهو الدور الحقيقى للمخلوق بإستخدام ما يسره الله له من مقومات وموارد وقد كلف الله الإنسان بإعمار الأرض بإستخدام مقوماته البشرية التى هى أصلا من الأرض وهنا يظهر الفرق الجلى بين من يعيش بشرا على ارض قد خلق منها ومن يرتقى ببشريته ليصل لدرجة إنسان ليسمو مرة أخرى ويتأهل للتكريم الإلهى له المتمثل فى قول الله عز وجل ” ولقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين أمنوا وعملو الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر “.
أعتقد ونحن علي نقف علي بوابة عام 2019 اننا يجب ان ننوي خيرا فى قلوبنا لانفسنا وللعالمين اي لكل من يعيش على الكوكب من المسالمين المحترمين الصالحين الخلوقين المجتهدين فى الخير والمقسطين لغيرهم والمحافظين على القيم الانسانية ، وأعتقد اننا يجب ان لا ننسي ان هناك أربعة صفات يرتقى بها البشر لدرجة إنسان اي الى الدرجة التى تدعو اليها كل الاديان السماوية وايضا كل منظمات العالم التى تتبني استعادة البشرية لقوامها الانساني الرفيع المستوي وهذه الصفات يمكن ان نجدها جميعا فى كل محتوي البيانات الرسمية وغير الرسمية طالما كانت غير معتدية ولا تدعو الى الدمار وهذه الصفات التى نعلمها جميعا هى الإيمان وعمل الصالحات وإحقاق الحق والتحلى بالصبر وهى تشكل مجتمعة حزمة من القوي الدافعة للبشرية باتجاه الانجاز:
أولا : الإيمان وهو الذي تكمن فيه كل نوازع السمو والرقى وإستلهام روح الإنجاز من حقيقة الإعجاز وإستجلاب القدرة على الإنجاز باللجوء إلى صاحب الإعجاز والبحث عن حقائق المخلوقات والأشياء للوصول إلى الإبداع فى إنجاز ما هو مطلوب لإعمار وإستمرار كوكب البشر على الرغم من كل ما يتعرض له الكوكب من تعديات وإخفاقات بسبب القصور أو التقصير من البشر الذين لم يصلوا بعد إلى قوله تعالى ” إلا من تاب وآمن وعمل صالحا “.
ثانيا: عمل الصالحات والذي يتطلب فهم الفرق بين الصالحات والطالحات والتفريق بين الأشياء والعلم بها لان العلم بالأشياء كان أول ما سلح الله به أدم أبو البشر ليكون أول بشر إنسان ” وعلم أدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئونى بهذه الأسماء قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ..” لقد تميز أدم بالعلم ، والعلم أوله وأخره من الله عز وجل ، وعلى الإنسان أن يسبر أغوار جميع الأشياء والمخلوقات وأولها هو نفسه كمخلوق عجيب ليتفكر فى عجيب إبداع الله وقدرته ليسبح بحمده ويطلب العون منه ليلهمه فواتح العلوم والأخبار التى تمكنه من إكتشاف ما قد خبأه الله له وقت أن يأذن له بإكتشافه كجائزة للإنسان ومكافأة له على فكره وتفكره وتدبره وجهده فى تنمية ما هو صالح وإصلاح ما هو فاسد.
ثالثا: التواصى بالحق والذي يتطلب فى الأساس معرفة الحق و الحقوق ، وقضية الحق هى قضية كل الكوكب ومن عليه من الكائنات والمخلوقات وكل منهم له حقوق وعليه واجبات وعلى الإنسان بمقتضى توليه للأمانة أن يتفهم جيدا ما أراده له الله أن يعى من الحق الذى هو إسم من أسماء الله تعالى بل هو مرجع ومرتجع كل الأحداث والتصرفات والقوانين والسنن الكونية وهذا جلى فى قوله تعالى “ما خلقناهما إلا بالحق “. صدق الله العلى الحق ، فعلى الإنسان أن يتخطى ما تحيد به نفسه وغريزته وأهوائه عن طريق الحق إلى ما قد كلفه الله به من أن يسعى لإكتشاف حقائق الأشياء وما ينظمها من علوم وسنن كونية وأنظمة ملكوتية خص الله بها كل أمة أم عوالم بعينها.
رابعا: الصبر والي هو مفتاح الجنة والسر الأعظم وراء الإعفاء من الحساب الذى هو القضية الكبرى التى يحملها كل إنسان على ظهره وهى أنه سيحاسب ، فقد أفاض الحق تعالى وتكرم على البشر الإنسان الذى يعيش حياته يتنفس صبرا ويأكل صبرا ويشب صبرا حتى يتواضع أمامه الصبر فيتشفع له ليحظى بإذن الله بالمرتبة الكبرى ” إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ” صدق الله العلى الصبور.
ايها السادة ، ان انسان مصر ليس كأى إنسان فهو الذي بادر باضاءة نور المعرفة للبشرية وقت ان كان الظلام هو سمة المجتمع البشري ، ولم يحدث ذلك الا بايمانه بقدراته وبنعم الخالق عليه وعلى ارضه وبصلاحه وقيمه الاخلاقية واحقاقه للحق وصبره على كل ما يواجهه من مصاعب فى طريقه لبناء حضارته ، لذلك فان كل ما انجزه الانسان المصري لارضه كان انجازا وطنيا بحق وبالتالى تعلمنا جميعا ان الانجازالوطني هو جزء لا يتجزأ من الانجاز الانساني الشخصي فمن الصعب تحقيق انجاز وطني بدون انتشار للانجاز الشخصي بمستوي يليق بمرتبة الانسان وليس فقط البشر والذي يحتاج ليس فقط الى تعليم وتوجيه وتدريب بل يحتاج ايضا الى ثقافة فلا انسان بدون ثقافة ولا نماء للانسان الذي ينمي وطنه بدون تنمية لثقافته ومن المهم ان نؤكد فهمنا لمبدأ أن ثقافة الفرد ترتبط بشكل كبير بثقافة المجتمع الذي يعيش فيه لذلك فان الجمهور العام يحتاج الى رعاية وتطوير وتحسين للذات الانسانية من خلال تعزيز قدراته علي استيعاب المتغيرات والمفاهيم المتعددة التي تطرأ علي المجتمع نتيجة التداخلات والتفاعلات مع مجتمعات اخري عبر الاعلام ومنظومات انتاج المحتوي الثقافي ، فالناس كلها مثقفون بصورة نسبية ونوعية ولكن كيف يجتمع الكل حول مفاهيم ومرجعيات تحكمها معايير واضحة ومقنعة للجميع حتي يمكن ان يحدث الانجاز بل ويعم على المجتمع ككل وينتشر الاعتقاد فيه والانتماء له وتبنيه والعمل على تحقيقه.
بصورة اكثر دقة فان مزيج الذات القومية الذي يمكن ان يلائم التغييرات الاقليمية والعالمية المستمرة يشتمل على عناصر اساسية هي الضمير الجمعى والتراثي والعقل الجمعى والطموح البشري والقيم الانسانية والمرجعيات الوطنية التى تجمع الجماهير حول مفهوم نفسي ومنطقى عام تنتج عنه تغييرات وسلوكيات وردود افعال من المفترض ان تكون متناغمة ومتكاملة وليست متباينة.
ايها السادة المسئولين عن عودة انسان مصر لجوهره ومنبع قيمه وعطائه من المهم ان نؤكد على ان جوهر عملية التغيير للافضل يجب ان يكون بالتطويرالى الاجمل والذي يحتاج الى برنامج فريد مزيج من ستة عناصر شديدة التأثير ، صعيبة التحمل هى تقبل الحقيقة كما هى و الثبات علي و الصدق مع النفس و القدرة علي الاعتراف بالاخطاء ايا كانت اى قبول تحمل مسئولية النتائج و توفر الاستعداد الكامل لاتخاذ خطوات ايجابية واخير الاستمرار في بذل الجهد لان التطوير الثقافي الجمعى يحتاج بصورة كبيرة الي تعليم التغيير والذي يرتبط بدوره بتوفير المعلومات لاقناع الافراد بضرورة التغيير حتى يخرج عن اقتناع بهدف الحصول على التزام اكبر ومقاومة اقل وهذا لن يتبلور بوضوح للجماهير الا من خلال اعلام تثقيفي محفز ومنطقى و تثقيف لامركزى متخصص وبرنامج تنموي شديد الوضوح ومحدد الاهداف وحصول الترقي الحقيقيى للملتزمين بالبرنامج ايا كانت تخصصاتهم وابراز تأثير ونتائج العوامل الاربعة لحدوث تغيير حقيقي فى الذات وهى: توفر الدوافع والتبني والالتزام والابتكار المستمر مهما كان حجمه من اجل اتمام التغيير.
ايها السادة اعتقد اننا ونحن ندخل عام 2019 بالقدم اليمني راجين من الله التوفيق والستر واللطف والعافية والسلام والسكينة والالفة والانضباط و الحسم والمزيد من التسامح والكثير من النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية كي يحدث النماء العام ، اعتقد اننا يجب ان نتبني جميعا برنامجا حياتيا وعلميا وثقافيا واعلاميا تنمويا راقيا تقوده الدولة اهم مميزاته الاثراء العلمى وخاصة مع التوجه الصاعد فى إصباغ الجانب العلمى على الحياة المعاصرة المتمثلة فى إزدهار الحياة المعاصرة وتقدم العملية التعليمية والتكنولوجيا الكثيفة وإتساع الرقعة الثقافية للمواطنين مما يتطلب تلبية الحاجات النفسية والعقلية والحيوية فى أن واحد بما يتلائم مع أليات حياتنا المعاصرة والتأهل للتعامل مع المستقبل الذى يخشى الجميع من غزوه المخيف للعقول بعجائب الأفكار والتصرفات والتحولات.
عندما يظن البعض أن الإعلام مجرد صورة وصوت و كلمة مقروءة إحترفها كثير ممن يحسبون أنهم يحسنون صنعا فإن الرسالة التى يحملها جانبي الثقافة والإعلام هى إما طوق نجاة لكل المتلقين أو هى كالسهام تضرب أعناق الرجال فى مقتل وبين حرفة التثقيف والإعلام وفكره يسبح السابحون ويلعب اللاعبون ويبكى كل من يبكى على مهمة الأنبياء الذين أرسلهم الله ليعلموا الناس بالحق ثم ذهب الأنبياء وها هى مبادىء الحق لايعيها الا من رحم الله ولا تزال الأمم بخير ما صلح إعلامها الذى ينبىء بحسن بطانة حكامها وأهلية المتلقين لإستقبال ما ينعش بين جوارحهم كل ما يوقظ نداء الحق فهلا إستيقظتم يا أهل الثقافة و الإعلام فأيقظتم الأمة قبل فوات الأوان وهلا أفقت أيها الشعب الحالم بما سيأتى به الزمان من أمور حسان وهلا استعدنا جميعا أصول مهنتي الثقافة والاعلام التى كانت وستظل هى لب التعبير عن الإيمان أسألكم بالله يا من تقرأون هذه السطور أن تدعوا بالهداية لكل إنسان مسئول أو يعمل فى الثقافة و الإعلام أن يلهمه الله الرقي الانساني فى الفكر والفعل والعمل وأن يفكر مليا قبل أن يدعو إلى ما لن تحمد عقباه من أمور ليست بالقويمة وما أكثر الكلام الحق الذى يراد به باطل وما أكثر الجهل الذى لا يعى كل ما يقال فأتقوا الله فينا وفى أولادنا الخضر الوئام وفى أنفسكم يا أهل الثقافة والإعلام .
ايها السادة نريد لمصر ان تستعيد الهوية والمكانه والكلمة والرؤية والريادة الانسانية ونريد لشعب مصر وحدة الوجدان وصلابة البنيان العلمي والثقافي والاجتماعي ونريد اعلام يشحذ همة المصريين ويمنح الاطفال الرؤيه المستقبلية لشبابهم وللشباب مستقبل عطائهم وللحكماء ارضا تنبت فيها ازهار حكمتهم ونريد للعالم ان يزهوا بمصر ونتاجها الحضاري الذي انار فجرالانسانية.

جريدة الجمهورية

30/12/2018